لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القارئ معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. تُعدُّ معركة حطين عام 583 هجرية/1187م، من المعارك الحاسمة فى الصراع الإسلامى الصليبى على أرض الشام التى قادها السلطان الناصر «صلاح الدين الأيوبى» ضد ملوك الفرنجة من الصليبيين، بأرض فلسطين، وفيها حقق المسلمون نصرًا كبيرًا مؤزرًا، وبها بدأ تحرير المدن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى، واسترجاع بيت المقدس. يقول الدكتور محمود عبد الفتاح أبو طه استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: بعد موت السلطان نور الدين محمود عام569ه/1173م، تولى الأمر «صلاح الدين الأيوبى» الحكم، وعمل بكل جهده على توحيد الجبهة الإسلامية تحت إمرته وسلطانه فعمد إلى توحيد مصر والشام والموصل، وفى ذات الوقت قام بعقد هدنة مع الصليبيين مدتها 4 سنوات ليتمكن من توحيد صفوفه وحشد قواته، فى أثناء ذلك قام «أرناط» حاكم الكرك بنقض الهدنة بالاستيلاء على قافلة تجارية متجهة من مصر إلى دمشق وأسر أفرادها، فكانت «موقعة حطين»، بعدما رفض أرناط مطالبة صلاح الدين برد القافلة وإطلاق سراح أفرادها. وقعت المعركة يوم الجمعة 24 ربيع الآخر، وكان عدد المسلمين 25 ألف جندى، بينما بلغ عدد الصليبيين 63 ألفًا بقيادة «ريموند» زعيم إمارة طرابلس، «وجى دى لوزينيان» ملك بيت المقدس، هذا وقد انقسم رأى ملوك الصليبيين فى مواجهة صلاح الدين، وفى الأخير استقروا فيما بينهم على الخروج لملاقاة جيشه فى طقس شديد الحرارة، دون أن يتزودوا بالمؤن التى تقيهم من حر الصيف، والتقى الجيشان، حيث نجح صلاح الدين فى استدراجهم إلى الوادى المكشوف وحاربهم ببسالة وعمد إلى بثِّ الخوف فى قلوبهم بكل الوسائل، وفرض سيطرته على مصادر المياه وحال بين الصليبيين وبين بحيرة طبرية، مما اضطرهم للانسحاب إلى جبل حطين نتيجة التعب والعطش، ومع مرور الوقت أصبح صلاح الدين المتحكم فى الحرب وظروفها، وبعد أن حاصرهم أعلى الجبل وبعد أن شطر جيشهم شطرين منعزلين شعر الصليبيون بالخوف، وأيقنوا أن الهزيمة واقعة لا محالة، فكانت الهزيمة الساحقة، وقد نتج عن معركة حطين أنها كانت بمثابة النهاية للوجود الصليبى بأرض الشام، وبها استطاع المسلمون هزيمة أكبر استعمار فى العصور الوسطى، كما مهدت الطريق أمام تحرير بيت المقدس، وعودة القدس الشريف للإسلام والمسلمين.