تشهد الساحة الدولية تطورات متسارعة فيما يتعلق بمستقبل الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر 2024 وتوليه مقاليد السلطة في يناير 2025، وبينما يتصرف الأخير وكأنه يمتلك جميع أوراق اللعبة في مفاوضات إنهاء الحرب، تمتلك بروكسل في الحقيقة سلاحًا سريًا قد يغير قواعد اللعبة. ورقة أوروبية رابحة بقيمة 200 مليار يورو أفادت صحيفة "بوليتيكو" أن الاتحاد الأوروبي يمتلك رصيدًا ضخمًا من الأصول الروسية المجمدة، تقدر قيمتها بحوالي 200 مليار يورو، محتجزة لدى مؤسسة "يورو كلير" المالية المقرة في بروكسل. وتولد هذه الأصول المجمدة فوائد مالية كبيرة يمكن استغلالها. ويأتي هذا في وقت استُبعدت فيه أوروبا من المحادثات الأخيرة بين الولاياتالمتحدةوروسيا، التي عقدت في 18 فبراير . وبالمقارنة، تحتفظ الولاياتالمتحدة بمبلغ أقل بكثير من الأصول الروسية المجمدة، لا يتجاوز 5 مليارات دولار. وفق صحيفة "بوليتيكو"، فإن مصادرة هذه الأصول تعد خيارًا جذريًا من شأنه أن يضمن لأوروبا مكانًا أفضل على طاولة المفاوضات، بعد استبعادها من قبل واشنطنوموسكو خلال محادثاتهما الأخيرة. انقسام أوروبي حول مصير الأصول المجمدة يشهد الاتحاد الأوروبي انقسامًا واضحًا بين معسكرين حول كيفية التعامل مع هذه الأصول المجمدة، ففي الوقت الذي يجتمع فيه وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في جنوب أفريقيا هذا الأسبوع ضمن اجتماعات مجموعة العشرين، تظل الحكومات الأوروبية منقسمة حول ما إذا كان تحرير هذه الأموال سيثبت لترامب أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يتمتع بنفوذ - أم أن ذلك قد يرتد عليه سلبًا. ونقلت "بوليتيكو" عن وزير الخارجية الإستوني، مارجوس تساهكنا، قوله: "بفضل الأصول الروسية المجمدة، يمكننا استبدال الدعم الأمريكي إذا كانت الولاياتالمتحدة لا تزال على وشك اتخاذ قرار بعدم دعم أوكرانيا بعد الآن". وأضاف: "لدينا 300 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة في أوروبا ويجب علينا استخدامها". وتؤيد دول البلطيق والدول الاسكندنافية، المجاورة لروسيا، تسليم هذه الأموال فورًا إلى أوكرانيا. وتدعم هذا الموقف بولندا وجمهورية التشيك وكبيرة دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، رئيسة الوزراء الإستونية السابقة، كايا كالاس. المعسكر المعارض بقيادة الدول الكبرى من جهة أخرى، أوضحت "بوليتيكو" أن المعسكر المعارض لتحرير الأصول الروسية يضم أكبر دول الاتحاد الأوروبي - فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بالإضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. يخشى هؤلاء من أن مصادرة هذه الأموال قد تخيف المستثمرين الدوليين وتحرم الاتحاد من أكبر ميزة له في مفاوضات السلام. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي من معسكر المعارضين قوله: "إذا قمت بتحرير [الأصول] وإعطائها لأوكرانيا، فلن تملكها بعد ذلك ولا يمكنك استخدامها كورقة مساومة". خلال لقاء مع ترامب في المكتب البيضاوي يوم الاثنين، أصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن الحلفاء الغربيين يمكنهم قانونًا استخدام الفوائد التي تولدها الأصول خلال الحرب، لكنه شدد على أنه سيكون من غير القانوني مصادرة الاحتياطيات نفسها. ومع ذلك، أشار إلى أن تجميدها يشكل رافعة مهمة في المناقشات. وصرح الرئيس الفرنسي: "هذا جزء من المفاوضات في نهاية الحرب". الأصول المجمدة كورقة تفاوضية يرى معسكر المعارضين أن التحرير الفوري للأموال من شأنه أن يضعف نفوذ الاتحاد الأوروبي في مفاوضات السلام مع روسيا. فعقب لقائه مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في الرياض الأسبوع الماضي، ألمح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يشارك، "في وقت ما"، في محادثات السلام، بسبب العقوبات التي فرضها على روسيا. وتقر الدول الأوروبية بأن مليارات اليورو من الأصول الروسية المجمدة تمنحها نفوذًا إضافيًا على الكرملين. وقال الدبلوماسي الأوروبي المذكور سابقًا: "إذا كانت [روسيا] ترغب بشدة في استعادة المال، فعليها أن تقدم شيئًا في المقابل". التفكير في مستقبل أوكرانيا كشفت "بوليتيكو" أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تنظر إلى احتياطي ال 200 مليار يورو كمكسب كبير لتغطية التكاليف الباهظة لإعادة إعمار أوكرانيا، والتي تقدرها البنك الدولي بنحو 486 مليار دولار. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي ثان في الاتحاد الأوروبي قوله: "الكثيرون يعارضون إلغاء التجميد لأنهم يعتبرونه أموالاً مخصصة لإعادة الإعمار". وفي العام الماضي، توصلت مجموعة السبع إلى اتفاق صعب لاستخدام الفوائد الناتجة عن الأصول لضمان قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا. وسيجتمع وزراء مالية مجموعة السبع مرة أخرى في كيب تاون يومي الأربعاء والخميس، ضمن مجموعة العشرين، لمناقشة دعمهم المستقبلي لأوكرانيا. وأشارت التقارير إلى أن قادة الاتحاد الأوروبي ال 27 قد كرسوا في القانون أن الأصول ستظل مجمدة حتى توافق روسيا على دفع تعويضات ما بعد الحرب لأوكرانيا. وفي الوقت الذي تجري فيه مناقشات مع الولاياتالمتحدة، أبدت روسيا استجابة لفكرة استخدام هذه الأموال، شريطة أن يغطي التمويل أيضًا إعادة إعمار المناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرة موسكو، وفقًا لرويترز.