تسكن المستقبل، وتعيش الحاضر، وترتحل دوماً إلى الماضي، إلى العصور الغاربة والأزمان المولية بحثاً عن الحكمة، واستجابة للحنين، والأهم للغوص فى الجذور وملامح الهوية، وأعماق التجربة الإنسانية، فأديبتنا البارزة د. ريم بسيونى لا ترتحل إلى محطات القرون الماضية لتقدم مادة للتسلية فى رواياتها وثلاثياتها التى لفتت الأنظار، واستحوذت على اهتمام النقاد والقراء على السواء، وحصدت الجوائز المرموقة، وإنما تتوغل ريم فى العصور السابقة لتزيل الغبار المتراكم على ملامح أرواحنا المنسية، وسمات شخصيتنا المختفية، حتى تجيء خطواتنا نحو عالم المستقبل واثقة واعية قوية، هكذا فعلت فى ثلاثية «المماليك أولاد الناس» الحائزة على جائزة نجيب محفوظ، وفى ثلاثية ابن طولون.. «القطائع» الفائزة بجائزة الشيخ زايد، وأيضاً فى الحلواني.. ثلاثية الفاطميين .. وفى روايتها الأخيرة «الغواص» ..الإمام الغزالى، وقبل أن تنشغل «ريم» فى كتابها الجديد جاء هذا الحوار محاطاً بأجواء الشهر الكريم، ومعطراً بنفحات رمضان المسكية. اقرأ أيضًا | مكتبة الإسكندرية تنظم ندوة بعنوان «ماريو وأبو العباس» ماذا عن ذكرياتك المحفورة فى وجدانك مع الشهر الكريم؟ رمضان مرتبط عندى ب الإسكندرية، وأبى وأمى كان لهما طقوس معينة فى هذا الشهر الاستثنائى بين الشهور، وهو مرتبط بصوت الشيخ محمد رفعت تحديداً وقت الإفطار، ثم مسلسل الإذاعة، وأنواع الطعام التى تطهوها أمى.. كنافة وأرز معمر للسحور، ثم تسأل كل واحد فينا ماذا يريد أول يوم.. البلح باللبن، وقمر الدين، والخشاف، رمضان عندى روائح، وطعوم، وأصوات خاشعة، وعائلة كلها أمان ودفء، وشوارع لا تنام، ونور لا ينطفئ. وماذا عن عاداتك فى رمضان وطقوسك الخاصة فيه؟ رمضان شهر التأمل والفهم، لابد أن نقضيه فى إعادة قراءة حياتنا، وفهم أنفسنا، نحتاج فيه إلى وقت نخصصه لأنفسنا، والقرب من الله، لذلك أقضيه فى القراءة، ولا أشاهد التليفزيون كثيراً، وأحاول ألا أخرج إلا قليلاً، لأن رمضان أحياناً نقضيه فى مناسبات كثيرة واجتماعيات تفقده روحانيته، والمهم هو الحفاظ على قدسية الشهر الكريم، وطبعاً علينا أن نخصص وقتاً للأقارب والعائلة، ووقتاً آخر للتأمل والعبادة. حدثينا عن مكتبتك الخاصة، وكيف تكونت؟ مكتبتى تكونت على مدى أعوام عديدة، كنت أقضى ساعاتٍ متصلة دون ملل فى القراءة، روايات أجنبية وعربية، كلاسيكية وحديثة، رومانسية وتاريخية، ولا يمكن أن أنسى وأنا فى الثامنة من عمرى حين أهدانى أبى الحبيب موسوعة لونجمان المكونة من 24 جزءاً، وطلب منى أن أقرأها كاملة، فأصبحت أقضى ساعاتٍ فى القراءة، ولم تزل الموسوعة فى مكتبتى إلى الآن، وتتضمن هذه الموسوعة الرائعة التى أسهمت فى تكوينى معلوماتٍ تاريخية قيمة، وتعرفت منها على العالم قبل ظهور محرك البحث جوجل الشهير، والآن مكتبتى تضم كل أعمال نجيب محفوظ، ويحيى حقى، وإحسان عبد القدوس، إضافة الى كتب تراثية ومنها: كتاب الأم للإمام الشافعى، وفيها أشعار ابن عربى، وأبى تمام، وأبى العتاهية، والزمخشرى، وأعتز بديوان ابن الفارض وهو من أحب الناس إلى قلبى، وفى مكتبتى بالطبع أبرز مؤلفات المتصوفة ابن عطاء الله السكندرى، وابن عربى، والغزالى، وعبد القادر الجيلانى، وفى مكتبتى نسخة من كتاب وصف مصر أعتز بها جداً، إلى جانب كتب كثيرة عن تاريخ مصر على مر العصور. وما العناوين والكتب التى ترشحينها للقراء من على أرفف مكتبتك؟ أرشح الأعمال الكاملة لابن عطاء الله السكندرى.. فقيه الإسكندرية فى العصر المملوكى، وكان تلميذ أبى العباس المرسى، وقد ألف كتابه الشهير «الحكم العطائية» الذى أصبح من أهم المؤلفات الصوفية فى العالم، ومن كتبه أيضاً «التوكل على الله» وأنصح بقراءته لأنه كتاب يطمئن النفوس، ويقربها من الله تعالى، ويشرح للإنسان فى كل زمان ومكان معنى التوكل الحقيقى، وأرجو أن يطلع القراء على كتاب «التنوير فى إسقاط التدبير»، وقصة حياة ابن عطاء الله نفسها تدعو إلى التأمل، حيث كان فقيهاً يهاجم التصوف حتى قرر أن يستمع لأبى العباس المرسى فى الإسكندرية فوجدت أن الفقه والتصوف يكمل بعضهما البعض.