كان لعائلة مزرعة واسعة، تنتج حقولها الخيرات، وكان رب الأسرة يذهب فى بداية كل أسبوع مع أولاده الكبار إلى السوق لبيع محاصيل المزرعة، كانوا يتركون أحد الأبناء ليحرس المزرعة والبيت الذي تبقى فيه النساء.. وفي أحد الأيام بينما ذلك الابن يجوب أرض المزرعة مر به مجموعة من الرجال ليكلموه، فأوقفهم بسلاحه على مسافة منه، فلاطفوه بكلام معسول وقالوا له إنهم مسالمون ولا يريدون سوى الخير له، ولم يكن أولئك الرجال إلا عصابة متمرسة فى السرقة، أروه ساعة يد فاخرة، وأغروه وهم يزينون له سلعتهم. أعجب الفتى بتلك الساعة وأبدى رغبته فى امتلاكها، وحين وثقت العصابة من تعلقه بها، قالوا له إنهم يعرضون عليه مبادلتها ببندقيته، فكر قليلا وكاد يقبل، لكنه تراجع ليقول لهم: انتظرونى إلى يوم آخر، وانصرفت العصابة بعد أن فشلت فى خداعه. في المساء حين عاد أبوه وإخوته حكى لهم القصة، وراح يذكر لأبيه فخامة الساعة وجمالها.. فقال له أبوه: أعطهم سلاحك وخذ الساعة، وحين يهاجمونك ويسرقون قطعان ماشيتك وينهبون مزرعتك، ويغتصبون أمك وأخواتك، انظر في ساعتك وقل لهم وأنت تتباهى آه إنها تشير إلى كذا و كذا من الوقت، فهم الابن القصة وزادته الحكمة يحدث اليوم أن تعرض عليك «جيوش الذباب الإلكتروني»، منتجات على منصات وسائل التواصل الاجتماعى تدغدغ عواطفك وتزغزغ نظرك، مثل الساعة، بريقها أحيانا يبعدك عن أن الحكمة تقتضى ألا نتفاعل مع كل ما نسمع، ونقرأ، وألا ننشره وألا نعيد نشره، فهذا موسم الأوهام والضلالات، وموسم لبيع منتجات جيوش الذباب الإلكتروني، وبندقيتك كوطن وكمواطن هى الوعي أكبر مشكلة يواجهها وطننا، وحتى نعالَج لابد أن نعترف بالمرض، هى أننا لا نجيد احترافية «صناعة الوعى» والتعامل معها، إذا توفر الوعى باكرا لن تجد من يستطيع تمرير ولا تطويع أبناء وطن إلا بما يخدم الصالح العام للوطن.. لنعترف أيضا أن «صناعة الوعي» تحتاج أشخاصا على قدر الكفاءة والمسئولية، حتى لا ندفع الثمن غاليا فى بضاعة ومنتجات فاسدة، وقمة الوعى ألا تغرك المنتجات البراقة.