يعد تعامد الشمس على معبد أبو سمبل في 22 فبراير و 22 أكتوبر من كل عام من أعظم الظواهر الفلكية التي تجسد عبقرية المصريين القدماء في علم الفلك والهندسة المعمارية. هذه الظاهرة الفريدة لم تأتِ صدفة، بل كانت نتيجة تخطيط دقيق يعكس مدى تقدم الحضارة المصرية القديمة، إذ تتعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس داخل المعبد، لتنير وجوه تماثيل رمسيس الثاني والإلهين رع-حور-آختي وآمون رع، بينما يبقى تمثال بتاح، إله الظلام، في الظل. هذا الحدث الاستثنائي ليس فقط احتفالاً بإنجاز معماري مذهل، ولكنه أيضًا شهادة على المكانة العظيمة التي كان يتمتع بها الملك رمسيس الثاني في تاريخ مصر. ** أبو سمبل: معبد في قلب الصحراء يعد معبد أبو سمبل من أهم المعابد المصرية القديمة، حيث شيده الملك رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ليكون شاهدًا على قوته السياسية والعسكرية، إضافةً إلى تقديسه للآلهة المصرية. يقع المعبد على الضفة الغربية لنهر النيل في النوبة، وهو جزء من مجموعة معابد نوبية ضخمة أقيمت في عهد الدولة الحديثة. ** رمسيس الثاني: الملك الإله أصل الحكاية| لقاء لم يتم.. غياب تعامد الشمس عن موعدها مع رمسيس التاني في معبد أبوسمبل اتخذ رمسيس الثاني لنفسه ألقابًا ملكية تعكس مكانته المقدسة بين المصريين، مثل "وسر ماعت رع" (رع قوي العدالة) و"مري رع" (محبوب رع) و"ستبن رع" (مختار رع). امتد حكمه لما يقرب من 67 عامًا، وخاض خلالها معارك كبرى، مثل معركة قادش، التي تعد من أهم المعارك المسجلة في التاريخ القديم. ** عبقرية التوجيه الفلكي لم يكن تعامد الشمس على قدس الأقداس داخل معبد أبو سمبل مجرد مصادفة، بل كان نتيجة دراسة دقيقة لحركة الشمس ودورة الفصول. فقد قام المعماريون المصريون القدماء بتصميم المعبد بحيث تتعامد أشعة الشمس مرتين في العام، الأولى في 22 فبراير، تزامنًا مع عيد تتويج رمسيس الثاني، والثانية في 22 أكتوبر، يوم مولده. ** تفاصيل ظاهرة التعامد في يومي التعامد، تخترق أشعة الشمس المعبد عبر ممر طويل يمتد لحوالي 60 مترًا، حتى تصل إلى قدس الأقداس، حيث تنير ثلاثة من التماثيل الأربعة الموجودة هناك. ويعد هذا الحدث دليلًا على براعة المصريين القدماء في الفلك والهندسة، حيث تمكنوا من ضبط زوايا دخول أشعة الشمس بشكل دقيق ليحدث هذا المشهد الفريد. ** الإنقاذ من الغرق: نقل معبد أبو سمبل في ستينيات القرن العشرين، واجه معبد أبو سمبل خطر الغرق بسبب بناء السد العالي. وفي واحدة من أعظم عمليات الإنقاذ الأثري في التاريخ، قامت منظمة اليونسكو، بالتعاون مع الحكومة المصرية، بعملية تفكيك ونقل المعبد إلى موقعه الحالي، على ارتفاع 65 مترًا فوق مستواه الأصلي، للحفاظ عليه من مياه بحيرة ناصر. ** مشاركة رمسيس الثاني في الحكم تشير النقوش المكتشفة في مقبرة الكاهن الأعظم "نب وننف" إلى أن رمسيس الثاني قد شارك والده، الملك سيتي الأول، في الحكم قبل أن يعتلي العرش رسميًا. وتظهر بعض المشاهد المحفورة في معبد القرنة صورًا لتتويج رمسيس الثاني بجانب والده، مما يؤكد هذه الفرضية. كذلك، فإن النقوش في قاعة الأعمدة العظيمة بمعبد الكرنك تبرز اسم كل من رمسيس وسيتي الأول في سياقات تشير إلى حكمهما المشترك. ** الاحتفالات الحديثة بتعامد الشمس يعد تعامد الشمس على معبد أبو سمبل اليوم مناسبة سنوية مهمة تجذب آلاف السياح وعلماء الفلك من مختلف أنحاء العالم. ويتوافد الزوار لمشاهدة هذه الظاهرة الفريدة والاستمتاع بالعروض الثقافية والفنية المصاحبة لهذا الحدث. إن تعامد الشمس على معبد أبو سمبل ليس مجرد ظاهرة فلكية، بل هو دليل واضح على عظمة الحضارة المصرية القديمة وإبداعها في مجال الفلك والهندسة. وبفضل هذا الإنجاز المذهل، يظل معبد أبو سمبل واحدًا من أعظم المعالم الأثرية في العالم، شاهدًا على عبقرية المصريين القدماء التي ما زالت تدهش العلماء حتى يومنا هذا.