بعيداً جداً ..فى الأغوار السحيقة، والأعماق الموغلة، فى الدهاليز الخادعة، والأروقة الماكرة المخاتلة تجرى وقائعها المذهلة، وتتوالى فصولها التى تحبس الأنفاس، فهى معارك لا تقل ضراوة وشراسة عن مثيلاتها فى ميادين القتال، وأعنى بها المعارك فى عالم المخابرات ..تلك التى لا تعرف الهدنة، أو فض الاشتباك، كما نعهد فى حلبات الصدام المسلح، فمعارك المخابرات أو الاستخبارات التى تجرى فى سراديب الخفاء مستمرة بلا انتهاء، وهى حروب فريدة من نوعها تتصارع فيها العقول، ويشتبك خلالها الدهاء الإنساني، وأحدث الابتكارات والتقنيات، وكم معارك خاضتها أجهزة المخابرات المصرية المتفوقة بعقول أبنائها الواثقين فى الله ..نصير قضاياهم العادلة ..والمنتمين إلى الأوطان التى تفتديها الأرواح والمهج ..وعلى أطراف أصابعهم يقدم هؤلاء ملاحمهم البطولية فى صمت الزاهدين فى الأضواء.. المتفانين فى مهامهم التى هى محور حياتهم المؤرقة بهموم بلادهم، وإذا بدت ملاحم العلن تتألق بطولاتها تحت الأضواء، وما أكثرها فى تاريخ العسكرية المصرية المجيد، فإن معارك المخابرات وملاحمها الوطنية المذهلة تربض فى الظل، وتلك طبيعتها، ولأن الأديب الكبير الراحل صالح مرسى واحد من هؤلاء البارعين فى تجسيد هذه البطولات المذهلة عبر إبداع راق نجح فى إضاءة الحقائق بسلاسة وعذوبة، ويتبدى ذاك فى ملاحمه الرائعة .. «الصعود إلى الهاوية»، «رأفت الهجان»، «الحفار»،» دموع فى عيون وقحة»، ، لذا كم أنا مندهش من أن ذكرى أديبنا الكبير «صالح مرسى» فى السابع عشر من فبراير مرت فى صمت، فهذا المبدع صاحب الملاحم الوطنية الخلابة، والذى أجاد التحليق فى آفاق الخيال من أجل إبراز الحقائق الموضوعية بصورة تجعلها أكثر سطوعًا جدير بأن نتذكره دائمًا، وليس فى عيد ميلاده، أو ذكرى وفاته فقط .