أعتقد أن الرسالة الأولى ل «حياة كريمة»، هى إنهاض الوعى الشبابى الكسول، وتثوير الضمائر النائمة، لتتفاعل بقوة مع هذه المبادرات التنموية ماذا تكون الأحلام غير واقع مؤجّل فى انتظار لحظات الإفاقة؛ وماذا يكون الواقع غير حُلم قديم وأمل جديد.. وتبقى الإرادة هى الباعث الأول لإخراج مكنونات النفس البشرية إلى الوجود لتقوم بالتغيير الحقيقى على الأرض بعيدًا عن ثرثرات الكلام وأوهام الأحلام. يقول د.فؤاد زكريا فى كتابه «التفكير العلمى»: «لا شىء يوجد من لا شىء»؛ ومبادرة «حياة كريمة» لم توجد من الفراغ؛ وإنما وُلدت من رحم إرادة سياسية واعية بما يطلبه المستقبل، وإدارة وزارية موازية تُدرك أن بناء الأوطان مسئولية قومية ومشاركة اجتماعية، لا تقوم بها جهة وحدها، مهما بلغت قدراتها ومسئولياتها؛ وإنما يقوم بها الفقير قبل الغنى، والأمّى قبل المتعلم، والمرأة قبل الرجل، والشاب قبل الشيخ؛ لأنها بوتقة واحدة وكيان مشترك ينهض معًا كالصقر المصرى الذى يرتفع إلى عنان السماء ولا ينظر تحت قدميه. فى هذه الأيام الطيبة تكون المشاركة بالتبرعات فى أعمال الخير ومساعدة المحتاجين واجبًا دينيًّا؛ ولكن الإسهام بالتبرع لمشروع «حياة كريمة» يُصبح واجبًا دينيًّا ووطنيًّا فى الوقت نفسه؛ حيث إن هذا المشروع لا ينظر إلى علاج مشاكل المناطق النائية فى اللحظة الآنية فقط، بقدر ما ينظر إلى معيشة لائقة لأبنائنا فى المستقبل؛ وبهذا تكون المشاركة المجتمعية لدعم الدولة فى إنهاء المشروعات القومية بأقصى سرعة ضرورة لازمة بقدر طاقة كل شخص مهما كانت قليلة؛ ولو بتوفير شربة ماء لعامل بسيط ينزّ عرقًا وهو يحمل حجرًا لتبطين ترعة بأحد النجوع النائية. نظرة إلى الأطراف؛ هذا كل ما كانت ترجوه القرية المصرية طوال تاريخها العتيد؛ فقط نظرة تحمل بعض الخدمات الأساسية، ولو بالقرى الأكبر لتسهيل الأمور على باقى العزب والتوابع، التى يُعانى أهلها من مشقة إنهاء أوراقهم بالسفر إلى عواصمالمحافظات؛ حتى جاءت المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» فنقلت قلب الوطن إلى أطرافه؛ ليس هذا وحسب، وإنما ضخّت فيه دماء الحياة فأخذ ينبض بالحركة الدافعة إلى الأمام؛ الحركة التى تقول إن ها هنا شكلًا جديدًا وواقعًا مُغايرًا لما اعتادته القرى القديمة من تجاهل ونسيان. فى قريتى كفر دنشواى بالمنوفية، والقرى المجاورة، كنتُ شاهدًا على ملحمةٍ حقيقيةٍ من البناء والعمران والإصلاح والتطوير: تبطين للترع، وبناء لمحطات الصرف الصحى، وتركيب للغاز وأسلاك الإنترنت، ومراكز للشباب، وملاعب خماسية جديدة، ورصف للطرق؛ كل هذا فى سنواتٍ قليلةٍ، وكأنها أهدافٌ مدريدية تقوم بعملها المتناغم لإحراز الأهداف بمهارة وإتقان. غير أن الجديد فى قريتى والذى يستحق الإشادة هو ذلك التشابك بين العمل العام والعمل الأهلى لخدمة المجتمع القروى الجديد؛ وأعتقد أن ذلك هو الرسالة الأولى لمبادرة «حياة كريمة»، وهى إنهاض الوعى الشبابى الكسول، وتثوير الضمائر النائمة، لتتفاعل بقوة مع هذه المبادرات التنموية؛ لأن هذا التطوير لا قيمة له إن لم يُواكبه تطوير فى عقول المُستخدمين له، وإدراك للجهد والمال اللذين بُذلا فيه. والحقيقة أن هذا ما رأيته من شباب القرية وشيوخها على السواء فى تفانيهم الكامل لخدمة عمال مشروع «حياة كريمة» ومساعدتهم لسرعة إنهاء أعمالهم؛ بل وتبرعهم بالمال والوقت والجهد ومشاركة مسئولى المحافظة فى التفكير لحلّ عوارض المشكلات.. ولا تزال القرية تحفظ الجميل لكل واحد من أوركسترا النجاح القروى: محسن عبد العال، رحمه الله، ورمضان عبد المنعم، ومحمد عبد التواب، وكامل الدسوقى، وجمعة جمال الدين، وحمدى منصور، ورمضان الأحول، وعبد الجواد العباسى، وعلاء فرج، وعشرات غيرهم، يقودهم العمدة كامل خليل، المايسترو الذى أثبت بهدوئه وسياسته أن القرية المصرية قادرة على العطاء، والاعتماد على نفسها وحلّ مشكلاتها كاملةً دون انتظار لدعم المحافظة.. وهى الأفكار الإيجابية التى يجب أن تنتشر فى باقى القرى لمساعدة الدولة فى الارتقاء بالمجتمع الريفى فكريًّا؛ من خلال التركيز على العنصر الشبابى الفاعل والأكثر وعيًا بمتطلبات البيئة التى يعيش فيها. مبادرة «حياة كريمة» لا تقوم فقط بتغيير الوجه العابس للقرى الأكثر بؤسًا إلى وجهٍ حضارى مشرق؛ وإنما تُسهم أيضًا فى نشر الوعى الجمعى بأهمية المشاركة بالعمل العام لنكون كرماء مع قرانا التى تؤوينا كما كانت كريمة معنا.