لا سبيل لضمان مستقبلٍ لأمتنا إلا بتوحيد الصف ولم الشمل، فالحوار بين المذاهب والتسامح ليس رفاهية ولكنه ضرورة شرعية لمواجهة التحديات والبقاء.. تحقيق الوحدة الإسلامية ليس أمرًا مستحيلًا، بل يتطلب جهودًا مشتركة على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية، والعالم الإسلامى يزخر بتجارب ناجحة فى التعايش السلمى، يمكن الاستفادة منها لإرساء نموذج عملى للوحدة، والتصدى للفكر المتطرف الذى يرسخه بعض أتباع المدارس الفكرية المختلفة.. اختتم أمس فى البحرين الحوار الإسلامى الإسلامى برعاية ملك البحرين وحضور شيخ الأزهر.. كان أبرز ما فيه دعوة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب لأنْ يتمكّن عُلماءُ الأُمَّةِ الممثِّلون للمَذاهبِ المختلفة، والمجتمِعون فى المؤتمر، من وضعِ ما يمكن تسميته ب «دستور أهل القِبلة». أو: «الأخوة الإسلامية» انطلاقا من الحديثُ الصحيح: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَاكم الْمُسْلِمُ الَّذِى لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَلَا تخْفِرُوا اللَّهَ فِى ذِمَّتِهِ». وأكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين أنه لا عز للأمة ولا سلطان إلا بوحدتها وأضاف أن شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين هو من بادر بفكرة مؤتمرِ الحوارِ الإسلامي- الإسلامى على أرضِ البحرين قبلَ أكثر من عامين وأكد أن المؤتمر استجابة لنداءِ شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين التاريخى بإقامةِ هذا الحدث المهم والهادف إلى تجديد الفكرِ الإسلامي. وأعلن شيخ الأزهر أن المحطَّة التالية لمؤتمر الحوار الإسلامى - الإسلامى، سوف تحتضنُها مصر فى رحاب الأزهر العام المقبل. وأكد د.محمد الضوينى وكيل الأزهر أن «التحديات الراهنة تفرض علينا جميعًا البحث عن حلول جذرية ومبتكرة تعيد للأمة مكانتها وقوتها، ولا يمكن تحقيق ذلك دون وضع آلية حوار مستدامة تكون قادرة على التعامل مع المتغيرات وتقديم رؤية موحدة لمستقبل الأمة الإسلامية». وأوضح أن الحوار هو السبيل الأوحد والأمثل لتوحيد الصف الإسلامى، وأنه لا يمكن للأمة أن تواجه تحدياتها الداخلية والخارجية دون استراتيجية واضحة تتبناها جميع مكوناتها. وأضاف أن الحوار الإسلامى ليس رفاهية فكرية، بل هو ضرورة شرعية وحضارية لضمان مستقبل أمتنا، وأن مسئولية الجميع اليوم، هى الانخراط الجاد فى هذا المسار، والعمل على تفعيله ليكون قوة دافعة نحو وحدة حقيقية، تحفظ للأمة تماسكها، وتضعها فى المكانة التى تستحقها بين الأمم. اقرأ أيضًا| أبو اليزيد سلامة: الإيمان بالغيبيات من أهم صفات المتقين وأكد د.أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف أن التنوع المذهبى والفكرى جزء من سنن الكون والحياة وأن الخلافات الفقهية لا ينبغى أن تتحول إلى صراعات أو قطيعة بين أبناء الأمة الواحدة. وأوضح السيد على الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، أن اختلاف العلماء فى الرأى لم يكن يومًا سببًا للخلاف بين أتباعهم، بل إن التوظيف السياسى لهذا التنوع هو ما يؤدى إلى الانقسامات الحادة. وأكد ضرورة تعزيز ثقافة المواطنة والعدل والمساواة بين أبناء الأمة. وأشار إلى أن تأسيس معاهد دينية مشتركة بين المذاهب سيسهم فى ترسيخ قيم الوحدة الإسلامية والتسامح. اقرأ أيضًا| عالم أزهري: الفقه علم يتفاعل مع الواقع ويدرس تطوراته وقدم د.نظير عياد، مفتى الجمهورية عددًا من المقترحات لمواجهة المشاكل والتحديات التى تعانى منها الدول الإسلامية، مثل تراجع الثقة المجتمعية بسبب الخطابات الطائفية والتعصبات المذهبية. وأشار إلى أهمية تأسيس رابطة عالمية مستقلة لتوحيد جهود التقريب بين المؤسسات، وتعزيز التفاهم والمواطنة، وضمان استقلاليتها عن الأجندات الطائفية، فضلاً عن تعزيز العمل الإنسانى المشترك بين الطوائف الإسلامية فى مجالات الإغاثة ومكافحة الفقر والجهل، لترسيخ الوحدة والانتماء. وشدد سماحة د.على عبد الصاحب الحكيم، الأمين العام لمؤسسة الإمام الحكيم، على أهمية إدراك أن الاختلاف الفقهى هو حقيقة فطرية لا ينبغى أن تتحول إلى سبب للصراع أو العنف، وضرورة فهم المختلف ثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا، من خلال التعرف على المناحى الثقافية والفكرية والاجتماعية والمشارب المذهبية ولو بالحد الأدنى من الأنس الذهنى بالمذاهب الأخرى. ودعا د.سعيد شبار، الكاتب العام للمجلس العلمى الأعلى بالمغرب، وأستاذ التعليم العالى بجامعة السلطان مولاى سليمان، ضرورة عودة العلماء إلى دورهم الحقيقى فى تحقيق التفاهم بين المذاهب، من خلال التركيز على المشتركات الدينية والأصول المتفق عليها، بدلًا من التركيز على الجزئيات الخلافية. اقرأ أيضًا| شيخ الأزهر يدعو لوقف خطابات الكراهية وتعزيز وحدة الصف الإسلامي وأكد د.حسن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وعضو مجلس حكماء المسلمين، أن هناك عوائق رئيسة تعرقل الوحدة الإسلامية، ومنها ضعف المعرفة المتبادلة بين أتباع المذاهب الإسلامية، وانتشار الشائعات المغلوطة التى تكرس الصور النمطية السلبية. وأشار إلى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب نشر الوعى، وتعزيز الحوار، وإبراز القواسم المشتركة، مثل وحدة الكتاب والقِبْلة وأركان الدين الأساسية. وشدد الشيخ د.حميد شهريارى، الأمين العام للمجمع العالمى للتقريب بين المذاهب الإسلامية، على ضرورة التعاون بين البلدان الإسلامية من خلال إطار مؤسسى يجمعها تحت مظلة واحدة، أطلق عليها اسم «اتحادية البلدان الإسلامية». وأكد أن التعاون وتوحيد الجهود سيسهمان فى تحقيق الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات التى تواجه العالم الإسلامى. وأكد د.بشار عواد معروف ضرورة أن يستند الحوار الإسلامى إلى رؤية منهجية واضحة، تركز على المشتركات بين المذاهب، وتجنب إثارة الخلافات العقائدية فى الأوساط العامة. ملك البحرين يستقبل شيخ الأزهر ويؤكد دوره في خدمة قضايا الأمة وقدم الشيخ آية الله أحمد مبلغى، رئيس جامعة المذاهب الإسلامية، وأحد علماء حوزة «قم» الإيرانية، رؤيته حول أهمية وضرورة الحوار الإسلامي- الإسلامى، مثمنا دور الأزهر الشريف فى إرساء قواعد الحوار بين أبناء الأمة الإسلامية قائلا: «ما أبهى أن تتوهج أنوار الحوار من صرح عريق وهو الأزهر الشريف مستنيرة بحكمة الإمام الاكبر، مبينًا أن التقريب له جذور راسخة فى أرض مصر، حيث تأسست دار التقريب لترسيخ معانى الوحدة والتفاهم وعلى هذا النهج صارت الجمهورية الإسلامية فى إيران فأنشأت مجمع التقريب بين المذاهب. وشدد على أن الحوار لا يقوم إلا على الكلمة التى لها شأن عظيم فى الإسلام، وأثر كبير فى بناء الإنسان والمجتمع، موضحا أن الحوار الداخلى بين أبناء الأمة هو صمام الأمان لوحدتها، والمحرّك لنهضتها، والجسر الذى تعبر به فوق الفتن والتحديات.