تُعد الدبلوماسية المصرية ركيزة أساسية من ركائز الدولة المصرية الحديثة، فهى تمتلك مدرسة عريقة فى هذا المجال، لطالما اضطلعت الدبلوماسية المصرية بدور محوري في حماية المصالح الوطنية وتعزيز مكانة مصر الإقليمية والدولية، وذلك عبر تاريخ طويل من التحديات والتحولات، وقد نجحت الدبلوماسية المصرية على مر العقود في تجاوز الكثير من التحديات والتأقلم مع المتغيرات الدولية. احتلت القضية الفلسطينية حيزًا كبيرًا من اهتمامات الدبلوماسية المصرية على مر العقود، وتعتبر مصر من أهم الوسائط الإقليمية والدولية فى حل النزاعات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لقد لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا حاسمًا عبر السنوات الماضية فى التوصل لاتفاقيات وقف إطلاق نار، وتعزيز الاستقرار فى المنطقة، بعد تدخلاتها خلال الحروب التى شنها الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، خاصة خلال الأزمات الأخيرة التى شهدتها غزة والمفاوضات الجارية بشأن التوصل لتهدئة، ورغم التحديات الكبيرة، نجحت الدبلوماسية المصرية فى الحفاظ على دورها كلاعب رئيسى فى هذا الملف، وذلك بفضل خبرتها الطويلة وعلاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف، حيث تتمتع مصر بثقة كل الأطراف، مما يسهل عليها أداء دور الوسيط بنجاح. ■ وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي مع وزير الخارجية الأمريكي لم تقتصر جهود مصر على الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل امتدت أيضًا إلى دعم القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية، وقد عملت مصر على حشد الدعم الدولى لحقوق الشعب الفلسطينى، وفضح الانتهاكات الإسرائيلية، والمُطالبة بإقامة دولة فلسطينية مُستقلة، كما تسعى مصر لتوحيد الموقف العربى لدعم القضية الفلسطينية، وتعزيز الوحدة بين الدول العربية حول حل الدولتين، كما تدعو مصر لعقد قمة عربية طارئة لبلورة رؤية عربية واضحة لإعادة بناء قطاع غزة ودعم الشعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين وحقوق الأممالمتحدة المُعترف بها دوليًا، وبعد شهر من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ساهمت جهود مصر بشكل كبير فى التوصل لاتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل، كما عملت على إدخال مُساعدات إنسانية كبيرة إلى قطاع غزة، وتوفير الرعاية الطبية للمصابين، واستمرارًا للدعم السياسي والإنساني؛ تواصل القاهرة دعمها للشعب الفلسطينى من خلال الضغط السياسى، وتوفير المُساعدات الإنسانية لتخفيف حدة الأزمة هناك. ◄ اقرأ أيضًا | رئيس وزراء إسبانيا: نرفض التهجير القسري للشعب الفلسطيني ■ وزير الخارجية يتحدث في افتتاح مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة ◄ دور عظيم السفير جمال بيومي، مُساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إن مصر قامت بدور عظيم، بالتعاون والتنسيق مع الولاياتالمتحدةوقطر، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، للتوصل لاتفاق يضع حدًا لنزيف الدم الفلسطيني في غزة، ويسمح بتبادل المحتجزين وإعادة الهدوء والاستقرار إلى منطقتنا، لافتًا إلى أن مصر تدافع عن فلسطين منذ فجر التاريخ، من أيام الهكسوس والحروب الصليبية، ثم الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، ونادت مصر مرارًا وتكرارًا بضرورة وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة، فضلاً عن خلق مسار سياسي ينهي الاحتلال ويفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لإحلال السلام العادل والشامل بمنطقة الشرق الأوسط، مُشددًا على أن مصر بقيادتها وشعبها ستظل تدعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أمن قومي عربي ومصري، كما ستعمل على إعادة الاستقرار وتحقيق السلام، حيث إن مصر دائمًا كانت عنصر أمن وسلام في محيطها وعالمها العربي والإسلامي والإفريقي وبمنطقة الشرق المتوسط. الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والدولية، قال إن دور الوساطة المصرية كان وراء إنجاح التوصل لاتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل، حيث لعبت مصر دورا أصيلاً متنامياً مبنيا على خبرة طويلة للمصريين في التفاوض والوساطة، وأوضح أن دور مصر لا يقتصر على الوساطة، ولكن على ممارسة أكبر قدر من التعاملات التي ستتم خلال الفترة المُقبلة، منها فتح المعبر وإدخال الشاحنات والمساعدات بصورة كبيرة، وتسليم وتبادل المحتجزين، وكذلك والأهم استمرار دور مصر لاستكمال تحقيق الاستقرار في القطاع، وحماية الاتفاق من أي خروقات، لافتًا إلى أن مصر لديها ما ليس لدى الآخرين؛ إذ تحظى بالثقة من قبل الجميع وتتمتع بالمصداقية في التعامل مع كل الأطراف، علاوة على قدرة مصر الكبيرة في التواصل مع كافة الفصائل الفلسطينية، بجانب مساندتها ودعمها للجنة الإسناد المجتمعي عبر آليات وطنية تضم كافة الفلسطينيين. وشدد فهمى، على أنه عقب الخطوات الإجرائية بين إسرائيل وحماس، وتنفيذ وقف إطلاق النار تأتي أهم مرحلة وهي خطط الإعمار، وحشد الجهود الدولية وجعل أكبر قدر من المؤسسات تساعد في تقديم المساعدات لبناء قطاع غزة من جديد، ونوه بحالة الثناء والشكر للموقف المصري من قبل مختلف دول العالم، معتبرًا أن هذا الشكر لا يرتبط فقط بجهود ومساعي مصر الكبيرة للتوصل إلى اتفاق الهدنة بل مرتبط بما هو قادم في الفترة المقبلة، إذ إن الدور القادم لمصر هو إنجاح الاتفاق ومتابعة ومراقبة تنفيذه وضمان عدم خرق حكومة تل أبيب له. ولفت إلى نجاح الدبلوماسية الرئاسية المصرية وحكمتها ومثابرتها التي أثبتت قدرة الدولة المصرية على إنجاح أي اتفاق وتفاوض، مسلطاً الضوء على ما ستقوم به مصر بالتعاون مع الشركاء في قطروالولاياتالمتحدة لتوفير ضمانات وإجراءات وتدابير على الأرض، وفتح معبر رفح لإدخال مساعدات، ومراقبة عمليات الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من القطاع، مؤكدًا أن مصر اضطلعت بمسئوليتها التاريخية والجغرافية والإنسانية والأخلاقية إزاء شعب فلسطين الشقيق وأهله في قطاع غزة، كما وقفت بالمرصاد لمخطط تهجيره من أرضه، وستظل على وعدها وعهدها في دعم القضية الفلسطينية العادلة حتى إقامة الدولة المستقلة وإحلال السلام المنشود في منطقة الشرق الأوسط. ◄ التحديات الإفريقية وتلعب مصر دورًا محوريًا فى صياغة التوازنات الإفريقية ومعالجة التحديات التى تواجه القارة بفضل جهود دبلوماسية فعالة تهدف إلى تعزيز السلام والأمن وتحقيق التكامل الاقتصادى. خلال السنوات الأخيرة، زادت مصر من جهودها لتعزيز التعاون والتنسيق مع دول القارة الإفريقية، مما يعكس التزامها بتعزيز الاستقرار والأمن فى المنطقة، وتُعزز مصر علاقاتها مع إفريقيا عبر زيارات دبلوماسية متبادلة وتنسيق سياسات مشتركة لمعالجة الأزمات الإقليمية والدولية، كما تسعى لتعزيز الرؤى المشتركة حول قضايا مثل السلم والأمن الإفريقى ومكافحة الإرهاب، وتسعى مصر لتحقيق التنمية المُشتركة وتعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الإفريقية، وترأست مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (النيباد) خلال 2023-2025 لتسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتجسدت إنجازات الدبلوماسية المصرية من خلال صياغة توازنات مهمة لحماية مصالح الدول وشعوب إفريقيا وضمان استقرار القارة. وتعتبر التحديات الإفريقية، وعلى رأسها أزمة سد النهضة، من أبرز القضايا التى تواجه الدبلوماسية المصرية فى الوقت الحالى، وتسعى مصر إلى التوصل إلى حلول توافقية تحافظ على حقوقها المائية وتضمن عدم الإضرار بمصالحها، وقد منحت سياسة الصبر الاستراتيجى للدبلوماسية المصرية ورقة شديدة الأهمية فى حوارها مع إثيوبيا لحماية مواردها المائية، ذلك من خلال مساندة الصومال لحماية سيادته على أراضيه. ويؤكد الدكتور السيد فليفل، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المتفرغ بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، أن مصر هى الابن البكر للقارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن مصر تتحرك فى الشئون الإفريقية كدولة فاعلة، مُشيرًا إلى أن مُرتكزات السياسة الخارجية المصرية تجاه إفريقيا، تأسست على التحرر الإفريقى، فلم تكن مهمة استخباراتية تقوم بها مصر، لكن هو تخارج من الاستعمار الذى سيطر على الدول الإفريقية لسنوات طويلة، وهى الدفعة التى منحتها ثورة يوليو، لافتًا إلى أن إفريقيا الآن بصدد مرحلة تستكمل بها حركة التحرر التى بدأت فى ستينيات القرن الماضى، مُشيدًا بجهود الدبلوماسية المصرية في هذا المجال، ومُشددًا على ضرورة التأكيد على انخراط رجال الأعمال المصريين فى الشئون الإفريقية، وزيادة المنح المقدمة للطلاب الأفارقة فى مصر، وزيادة المساعدات الفنية، وإتاحة الفرص للباحثين الأفارقة ليعودوا لدولهم كخبراء فى المجالات المختلفة". ◄ تنويع الشراكات وتستند السياسة الخارجية المصرية إلى تنويع محاور العمل وتوسيع أطر الشراكات الدولية وفق مبادئ ثابتة قوامها الاحترام المتبادل وإعلاء المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول واستقلال قرارها السياسى، هذه الاستراتيجية تتجسد ترجمتها العملية إزاء التحديات الهائلة التى تواجهها مصر على صعيد الدوائر الجيوسياسية والاستراتيجية، وتواصل الدبلوماسية المصرية جهودها الدؤوبة فى خدمة القضايا الوطنية وتعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية، وذلك من خلال تبنى استراتيجيات مرنة ومبتكرة، والتعامل بفاعلية مع مختلف التحديات والفرص. ويؤكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، أن ثوابت السياسة الخارجية المصرية؛ رسخها الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعد ثورة الشعب المصري في 30 يونيو، حيث بات هناك نُسق ثابت للسياسة الخارجية المصرية منذ 2014، ودبلوماسية ترتكز على تنويع التحركات انطلاقًا من مبادئ الاحترام المُتبادل والندية ورفض التدخل في الشئون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها مع التشديد على تماسك المؤسسات الوطنية للدول للحيلولة دون تهاويها ونشر الفوضى بها لاسيما في المحيط الإقليمى، واستطاعت مصر، خلال السنوات الأخيرة، أن تُسخِّر تلك الإمكانات المُتراكمة عبر العقود الماضية، وتطويع مقومات القوة الشاملة التي تتسلح بها؛ مما زاد من فاعلية دورها في ترتيب الأوراق الإقليمية، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات، جنت مصر ثمار سياستها الخارجية الجديدة من خلال العمل والتحرك الدبلوماسي بشقيه الثنائي والمتعدد الأطراف بل وامتد كذلك إلى الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والبيئية ودبلوماسية المناخ.