لا يوجد مفتاح لأبواب المنطقة، إلا مفتاح السلام العادل والشامل، ولن ينفع أى بديل فى تحقيق الأمن لأى شعب، ولكنه قد يكون بمثابة منفاخ الكير الذى يؤجج النيران ويزيدها وهجًا واشتعالًا فى الجميع بلا استثناء، فى إسرائيل ثم غزة وكل المنطقة، وحتى فى أمريكا نفسها، فلا يمكن أن يتناسى عاقل أن حجم الغباء التدميري الذى ارتكبه حمقى إسرائيل فى الأراضى المحتلة فى غزة، وبقنابل أمريكية ودعم أمريكي، يمكن أن يمر مرور الكرام على أربعة أجيال متتالية على الأقل، ذاقت الأمرين فى السكن والمشرب والمأوي، وعانت اليتم والفقد على يد قوة غشيمة عمياء، وأن هناك ثأرًا قد تمت زراعة بذوره فى تلك الأجيال، وسوف يأتى يوم ما يخرج من صدورها ليدمر من سفك دماءهم ودماء أقرب الناس إليهم وسلبوهم أرضهم، ودمروا حياتهم قبل أن تبدأ، وسيكون كل طفل منهم بمثابة قنبلة بشرية تنتظر وقت الانفجار والثأر من الاحتلال وكل من سانده فى جريمته ضد الإنسانية. أتمنى أن يستوعب الجميع أنه لن يكون هناك فائز أو خاسر من استخدام القوة أو التهديد بها، فالكل سيكون خاسرًا، بما فى ذلك أمريكا نفسها، وبالدرجة الأولى إسرائيل، التى مازال قادتها ينظرون إلى غزة باعتبارها «مدينة المعاصى والعصيان»، ويبدو الأمر وكأن نتنياهو يلعب دور شمشون فى سفر القضاة، وينزل من جبل يهوذا ليأخذ بالثأر من أهل غزة ويقتل منهم الآلاف، يأخذ أرواح كل ألف واحد، بضربة واحدة من فك الحمار، وهو السلاح الذى كان يحارب أعداءه به، ويبدو أن قادة إسرائيل تناسوا أن شمشون قد أمسك به الغزيون وربطوه، ولم يكن أمامه سوى الانتحار والموت بعد أن هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، ولن تنتهى حرب غزة الأخيرة إلا بالسلام للجميع أو الدمار للجميع، ومن هنا كان إيمانى الشديد بأن الفلسطينيين أنفسهم هم طوق النجاة لإسرائيل والإسرائيليين، فلا أمان ولا سلام إلا لكل شعوب المنطقة. ويظهر فى أمريكا شمشون آخر هو الرئيس الأمريكى ترامب، الذى يحاول تحقيق أقصى حد من المكاسب لبلاده، وهو على حق فى ذلك، ولكن من حقنا أيضا أن نتفق أو نختلف مع آليات تحقيق ذلك الهدف، إذا تضاربت أو تعارضت مع قوانين حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ويستطيع أى محلل أن يراقب «ترامب قلب الأسد» وهو ينحت مفهومًا جديدًا للدبلوماسية الدولية، أمريكا التى خرجت منها مصطلحات دبلوماسية مثل دبلوماسية البنج بونج ودبلوماسية المطبخ أو الطهى التى ترى أن أقرب طريق للتفاهم هو المعدة، ودبلوماسية دفتر الشيكات، وكلها آليات تحقق السلام والتفاهم والمصالح المتبادلة بين الشعوب، ونجد الرئيس الأمريكى يطور شكلا جديدا من دبلوماسية القوة وحافة الهاوية، يتخطى به التهديد بالقوة، وينحت لنا مفهوما لقيطا فى عالم السياسة الدولية، وهو «دبلوماسية شمشون» التى تنتهى عادة بهدم المعبد على رأس الجميع، وهو أمر يتطلب ظهور الدبلوماسية الشعبية لمخاطبة الرأى العام الأمريكي، من أجل العمل على «فرملة» تلك السياسة الجديدة التى تحاول أن تركل كل دول العالم بقرارات تصادمية أحادية الجانب. وقد تابعنا كلنا تداعيات التوجهات الأمريكية المفاجئة وغير المنطقية بشأن غزة، وقد كان صداها أكبر دويا من القنابل الأمريكية التى دكت بها إسرائيل قطاع غزة بكل بنيته التحتية عبر الطائرات الأمريكية، ويرتكبان جرائمهم ضد الإنسانية بكل وقاحة، وتحت أنظار كل العالم، ثم يطالبان أهل الأرض المحتلة بالهجرة القسرية إلى أراضى دول أخرى، لتقوم دول أخرى بسداد فاتورة إعادة التعمير من أجل تنفيذ مشروع ترفيهى لصالح واشنطن!، كما تابعنا كذلك نجاح مصر فى مواجهة ذلك المخطط الشمشوني، وقيادة العرب فى كسب الجولة الأولى من تلك المباراة التى بدأها ترامب، وعرف العالم من خلالها حجم وزخم الاصطفاف الشعبى خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وموقف القاهرة الثابت فى تحديد خطوطه الحمراء بداية من رفض تهجير الفلسطينيين، وتجاوز خط الجفرة - سرت فى ليبيا، أو المساس بأمن الخليج، أو الاقتراب من أمن السعودية، أو حقوق مصر فى مياه النيل، أو المساس بأمنها القومي، وكم كانت الدبلوماسية المصرية عظيمة بقدر عظمة الشعب المصري، وكلها جهود تاريخية نتابعها بفخر وسوف يسجلها التاريخ بحروف من نور. هناك جولات أخرى قادمة، فلا زالت المباراة فى الملعب، ومازال العالم يترقب التطورات على أرض غزة، ومواقف العواصم المختلفة، حيث تعقد خلال ساعات قمة خماسية عربية مهمة، تعقبها قمة عربية مرتقبة فى القاهرة الأسبوع القادم وسوف تظل القوة الهائلة للشعب المصرى وتماسكه واصطفافه خلف قيادته فى حسم تلك المباراة الصعبة من أهم موازين القوة، إضافة إلى أهمية الحصول على تعاطف كل شعوب العالم، ودعم عواصم العالم الحر التى ترفض الظلم، وتدعو إلى تحقيق السلام العادل والشامل للجميع واحترام المواثيق العالمية فى حقوق الإنسان والقوانين الدولية وهيئة الأممالمتحدة، وقواعد التجارة العالمية.. معركة غزة هى معركة كل شعوب وحكومات العالم الحر ضد «شمشون أمريكا»، و«دليلة تل أبيب»، ومهما كانت المعطيات فالنتيجة واحدة، وهى أن الفلسطينيين طوق النجاة لإسرائيل والإسرائيليين! ودائما ودوما وأبدا .. تحيا مصر . ◄ بوكس ما أعظم وأجمل الشعب المصري.