فى يوم السادس من أكتوبر 1973 أدرك أن عقارب الساعة بدأت فى الدوران، ولن تعود أبداً إلى الوراء عشتُ أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته 56، والتى عُقدت من 23 يناير حتى 5 فبراير الماضي. وكانت من أنجح الدورات التى عُقِدت فى تاريخه، وذلك بشهادة كل من تردد عليه من المثقفين المصريين والعرب والأجانب. وقد سمعتُ من الزملاء المصريين والأصدقاء العرب كلاماً يفوق الخيال فى دورة هذا العام. التى افتتحها وأشرف عليها بشكلٍ يومى الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة. بينما قضى أيامه ولياليه فى أرض المعارض الدكتور أحمد بهى الدين رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب ورئيس المعرض. ترددتُ على المعرض أكثر من مرة. مرات لحضور ندوات لمناقشة بعض الكُتب الجديدة، وأخرى للتجول فى سرايا وأجنحة المعرض، وأدهشنى الأشقاء من المثقفين العرب الذين جاءوا لحضور المعرض. وامتلأت بهم فنادق القاهرة، ومقاهيها الثقافية، ومسارحها، ودور السينما. على الرغم من أن معرض الكتاب بثوبه الجديد يحتوى على معظم هذه الأشياء. ولكن للسائح العربى خاصة من يحضر للقاهرة لأول مرة برامج تختلف من هنا وهناك. لكنها سياحة ثقافية لعاصمة الثقافة العربية. مصر السيسى ضيوف المعرض الذين قابلوني، وكلها لقاءات تمت بالصدفة، يبدون دهشتهم الشديدة وإعجابهم بالخطوات التى تخطوها مصر لبناء دولة حديثة على أُسسٍ علمية، وبروح وطنية، وبعضهم زار الأماكن التى تمكَّن من زيارتها بالقاهرة. والبعض الآخر لمس هذا الإحساس من خلال تنظيم المعرض، والذى راعى التفاصيل الدقيقة لما يتم فيه. كانت مصر كلها هناك.. وكان المثقفون من الأشقاء العرب ومن أبناء إفريقيا وآسيا والعالم هناك.. الذين جاءوا ليحضروا الندوات التى أُعِدَت بشكلٍ مُمتاز - ربما لأول مرة - أو للتجول فى أرجاء عالمٍ من المطبوعات بكل لغات العالم. لكن الكتاب العربي، وفى المقدمة منه الكتاب المصري، ظل البطل طوال أيام المعرض منذ افتتاحه وحتى إغلاق أبوابه. ولو كانت هناك ندوات ليلية لحضرها ذلك الجمهور المُحب للكتاب، والذى جاء لأجله من كل مكانٍ بالدنيا بحثاً عنه. عالمٌ من الكُتُب من الصعب على الإنسان أن يُقدِّم قائمة بالكُتُب التى اقتناها. لأنها تظل «الزاد والزواد» لعامٍ كامل. لكن تلك محاولة لإلقاء نظرة على ما عُدتُ به من كُتُب التى جعلت بيتى مكاناً من الصعب الحياة فيه. لكن الكُتُب مُحِبة ومحبوبة وتجعل من أى مكانٍ فوق الأرض جنة من الجنات التى لا يُمكِن أن ينساها الإنسان. أبدأ بكُتُب هيئة الكتاب.. ومن أهم الكُتُب التى عُدتُ بها من جولاتى فى المعرض كتاب قديم جديد، تُصبِح له دائماً وأبداً جنة جميلة كلما رآه الإنسان. الكتاب عنوانه: القاهرة ونشأتها. ومؤلفه شحاتة عيسى إبراهيم. وأول من طبع هذا الكتاب منذُ زمنٍ قديم كان دار الهلال. لكن انتقل الكتاب لهيئة الكتاب. والكتاب دراسة لتاريخ القاهرة وتطورها. والنواحى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية بها. وهى ليست للحاضر فقط، بل لتاريخ مصر فى العصور الإسلامية المُختلفة منذُ الفتح العربى لوقتنا الحالي. والموضوع لا تكفيه صفحات هذا الكتاب الذى يقع فى 250 صفحة من القطع الكبير. بل يحتاج مجلدات أخرى كثيرة. وقد كُتِب عن القاهرة فى اللغات الأجنبية الكثير جداً، بل إن الأعمال الأدبية التى تأخذ من القاهرة مكاناً لأحداثِها بلا حدود، خاصة نجيب محفوظ صاحب الروايات الغزيرة التى تحمل أسماء أماكن مازالت موجودة حتى الآن. الرواية والقصة المصرية للكاتب فرج مجاهد عبد الوهاب كتاب نشرته الهيئة عنوانه: السرد الحاوي. يسبقه عنوان تمهيدي: قراءات فى الرواية والقصة المصرية. وهو كتاب ضخم يقع فى أكثر من 400 صفحة. ويُهديه صاحبه إلى زمن السرد العربى وإلى شباب السرد الجديد. ويؤكد الناقد السورى محمد غازى التادمرى أن هذا العنوان يعكس ما يُقدِمه الكتاب. ويتساءل عما يحويه هذا الكتاب فى جرابه من الأعمال الأدبية. ويؤكد أن فيه كل ما تشتهيه النفس المُبدِعة، وتتمناه الذائقة الإبداعية والنقدية من خلال جهدٍ دءوب ومثابرة واعية، ومتابعة نبيهة أفرزت دراسات نقدية جديدة وجادة، تُضاف بكل تقدير إلى تجارب النقد الروائى الحديث. إنه كتاب جاد نقدى ومُهم.. أهم صفة فيه أنه تنامى بالسرد وارتقى على محور التطوير والتطبيق. هذا المحور الذى نحن بأمس الحاجة إليه فى وقتٍ اختلطت الأوراق فيه، ولم يعد يُعرف الطالح من الصالح الذى يؤازر قيمنا الغنية ويوسِّع مداركنا النقدية، لنفهم الإبداع الحقيقى فى وجهه الصالح والصحيح.. قيل من قبل إننا نعيش زمن الرواية.. وها هو هذا الكتاب يؤكد لنا تلك الحقيقة. حرب أكتوبر 1973 كان لحرب السادس من أكتوبر نصيبها من الكُتُب.. وها هو كتاب مهم عنوانه: شاهد على حرب السادس من أكتوبر 1973.. كتبه اللواء دكتور سمير فرج. وهو كتاب أرجو أن تقتنيه، ليس من أجلك أنت، ولكن للأجيال الطالعة من أبنائنا وأحفادنا الذين يجب أن يعرفوا كل شيء عن هذا النصر العظيم الذى حققته لنا قواتنا المسلحة. والكتاب يُنشر فى سياق مرور 50 عاماً على النصر العظيم.. أى أننا عِشنا 50 ذكرى للنصر. يقول صاحب الكتاب أنه عايشها خلال سنوات عمره. وفى كل ذكرى يتجدد فى القلب ذكرى تلك الفرحة التى كانت وما تزال أسعد لحظات حياته.. ذكريات غالية محفورة فى ذاكرة العقل والقلب ليوم الكرامة. يقول المؤلف الذى كتبه عن تجربة بأنه فى يوم السادس من أكتوبر 1973 أدرك أن عقارب الساعة بدأت فى الدوران، ولن تعود أبداً إلى الوراء.. كان أصغر ضابط فى غرفة عمليات القوات المسلحة.. وكان ذلك النصر بالنسبة له هو انكشاف الغمامة السوداء عن جيلٍ بأكمله.. عاش وقائع الهزيمة التى كان شاهداً عليها، وهو ضابط صغير برتبة ملازم. ولكنه فى عامنا هذا قرر أن يكون احتفاله بتلك الذكرى الغالية لنصر أكتوبر أن يروى للأجيال القادمة شهادته عن تلك الحرب التى كان شاهداً فيها على الهزيمة، ومُشارِكاً فى حرب مصر المُمتدة لسِت سنوات.. حرب الاستنزاف العظيمة ليقوده ذلك الحظ لأن يكون شاهداً على عملية التخطيط للحرب وإدارة المعركة من داخل غُرفة العمليات. إن من كتب لنا هذا الكتاب إنما يُقدِّم شهادته عن حرب أكتوبر كمُشاركٍ فى بطولتها الغالية والنادرة.. وهذا يجعل الكثيرين من الأجيال التالية تحسده على تلك المشاركة فى تحرير أرضنا من العدو الصهيوني. مُراد العارِف أهدانى المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة وصاحب دار الشروق، وهى من أهم إن لم تكن أهم دور النشر الخاصة فى مصر والوطن العربى والعالم الثالث. أهدانى رواية: مراد العارف. لأحمد صبرى أبو الفتوح. وكانت عندى من قبل روايته: تاريخ آخر للحُزن. التى نشرتها له دار ميريت. والرواية تُقدِّم لنا ثلاث شخصيات عالقة بين أحلامها وقيود واقعها. الصحفى مراد العارف الذى يُعرِّف نفسه بأنه روائى بلا رواية، وليلى تاتو السيدة الجميلة التى تعمل على تزيين النساء فى الحفلات الخاصة فى إحدى دول الخليج الشقيقة. وهبة الله زوجة ناقد شهير يكبرها بخمسين سنة. وحينما يلتقى مراد بليلى على متن الطائرة، يُدرك أنها هى الشخصية التى كان يحلم بكتابتها فى روايته. وهكذا يُقدِّم لنا المؤلف رواية جميلة تجعلنا نشتبك مع مصائر الأبطال الثلاثة، كاشفاً الكثير عن خفايا الإنسان وآلام البشر الذين يقتلهم الطموح فى عالم لا يبالي، وعن التماهى بين حياة الكاتب الحقيقية وروايته المتخيَّلة. إن الرواية عن الحُب والنجاح والكتابة والاصطدام بالواقع. وهل يستطيع الإنسان أن يُعيد كتابة مصيره؟!.