يبدو مع الوقت انفتاح متزايد من الغرب للسلطات السورية الجديدة، مع استعداد دائم للتخلى عن موقف صارم سابق إذا ما تخلت سلطات سوريا هى الأخرى عن ماضيها المسلح. وانعقد فى باريس قبل يومين مؤتمر دولى لدعم سوريا، ولم يكن مخصصاً لإعلان تعهدات مالية، بل يترك ذلك عادة لمؤتمر الدول المانحة السنوى الذى يلتئم الشهر المقبل فى بروكسل. اقرأ أيضًا | قمة القاهرة.. «صمود» عربى أمام مخطط ترامب «والتصدى» لمشروع التهجير وقال تحليل نشرته إذاعة مونت كارلو الدولية إن المؤتمر لم يركز على رفع العقوبات التى فرضت على سوريا فى عهد النظام السابق، لأن الاتحاد الأوروبى وضع قبل أسبوعين خريطة طريق لتخفيف العقوبات لمدة سنة، ولم تدخل بعد حيز التنفيذ، كما أن الولاياتالمتحدة قررت تجميد العقوبات لمدة ستة شهور فقط. ومع الإدارة الأمريكية الحالية واحتمالات تقلبها، لا يضمن الأوروبيون تمديداً تلقائياً لتجميد العقوبات. ومع أن مؤتمر باريس تطرق إلى عملية إعادة الإعمار فى سوريا، إلا أنه اقتصر، كما كان متوقعاً، على تحديد الموارد المطلوبة. كما أعاد ربط مساهمته فى إعادة الإعمار بالتقدم فى عملية الانتقال السياسى السلمي، وتوفير الأمن والتزام محاربة الإرهاب وتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية. مع ذلك، وعلى صعيد عملي، اهتم المؤتمر الذى اعتبر امتداداً للمؤتمرين السابقين، فى العقبة والرياض، بالنظر فى استراتيجية تنسيق العمل الإنسانى بين الهيئات والمنظمات الناشطة فى سوريا، والتأكد من القطيعة مع ممارسات النظام السابق، عندما لم تكن المساعدات تصل إلى المحتاجين إليها. وهذا المؤتمر يعد أحدث الإشارات على قبول الغرب للنظام السورى الجديد ورغبته فى أن يتم قبوله سريعا بين دول العالم بشرط ألا يستهدف الغرب أو يتربص به الشر. وما استهدفته فرنسا بهذا المؤتمر هو إشراك الاتحاد الأوروبى والمجتمع الدولى عموماً فى توفير ضمانات للحكم الجديد فى دمشق، بأنه سيتلقى دعماً بمقدار ما يحترم التزاماته الداخلية تجاه سائر المكونات. وبموازاة ذلك، تبدى فرنسا استعداداً كبيراً للعمل مع السلطات السورية، إذ أفاد مصدر رئاسى الخميس على هامش المؤتمر، بأن باريس توسطت أخيرا لتأمين تنسيق بين دمشق وبيروت لوضع الاشتباكات الحدودية فى إطارها الصحيح، وهو ضرورة معالجة قضية المعابر غير الشرعية التى كان حزب الله يستخدمها لتهريب الأسلحة والمخدرات، أو كما عبر عنه مسئول فرنسى بقوله إن هدف مؤتمر باريس المساعدة فى إحاطة أزمة سوريا بطبقة حماية، وإتاحة الفرصة لحلها من خلال ردع الخاسرين السيئين من زعزعة استقرار الدولة، فى إشارة إلى الخاسرين من سقوط النظام السابق. لكن ثمة هدف آخر هام فى ذلك الجهد الفرنسي، وهو ما عبر عنه محللون غرب اعتبروا ان استقطاب السلطات الجديدة فى سوريا وخطب ودها من الغرب هو هام، لكى تتم النخبة الحاكمة الجديدة تحولها من مرحلة القتال المسلح إلى مرحلة الحكم السياسي. وأكثر من ذلك، ألا تعود أبدا لممارسات الفترة السابقة. وكان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون دعا السلطات السورية الانتقالية إلى المشاركة فى التصدى لتنظيم داعش الذى قال إنه لا يزال نشطا فى هذا البلد. وقال ماكرون فى ختام مؤتمر سوريا فى باريس إن «مكافحة داعش هى أولوية مطلقة «. ويواصل التحالف الدولى الذى يضمّ دولا غربية بقيادة واشنطن، ضرب داعش الذى هُزم فى عام 2019 لكنّه لا يزال يشكّل تهديدا فى العراقوسوريا. وقال ماكرون «إذا اتخذت سوريا قرارا بشأن مقترح للتعاون، فإنّ فرنسا ستنظر إليه ليس فقط بنية حسنة بل أيضا بالتزام». والواقع إنه من أجل رغبة الغرب فى نظام صديق فى سوريا، غير معاد لهم، فإن الغرب أبدى من الانفتاح تجاه السلطات الانتقالية ما يثير شكوكا بشأن صرامته فيما يتعلق بالتعامل مع نخبة ذى مرجعية فى أقصى اليمين.. وما ساعد على ذلك انفتاح مماثل من حكومة سوريا الجديدة التى أرادت تقديم نفسها للعالم كنخبة سياسية ذات قطيعة مع أفكارها المؤسسة ومنتبهة لأصول وقواعد التعامل مع الدول الأخرى . وقال تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز إنه إذا كانت الحكومات الأجنبية حريصة على التأثير فى مقاتلى سوريا، فإنها ستكون أفضل حالًا إذا قدمت تنازلات رمزية ولكن ذات مغزى، مثل فتح سفارات فى دمشق، إرسال وفود رسمية إلى سوريا، ومشاركة الاستخبارات بشكل سري. ومن جانبها، قامت الولاياتالمتحدة بالفعل بمشاركة الاستخبارات مع هيئة تحرير الشام بشأن هجوم مخطط له من قبل تنظيم داعش. وعندما يُعرض على الأطراف تنازلات رمزية ولكن ذات مغزى، يصبحون أقل ميلًا لدعم العنف وأكثر استعدادًا لإجراء تسويات. واعتبر التحليل إنه من الطبيعى أن تكون الدول الأجنبية حذرة فى مكافأة الحكومة التى تقودها هيئة تحرير الشام. يجب أن تتجنب هذه الدول الإيماءات الرمزية حتى تحقق الإدارة الجديدة تقدمًا نحو الحوكمة الشاملة، مثل حماية الأقليات. ومع ذلك، يجب عليها أن تقدم على الفور مساعدات إنسانية غير مشروطة لتخفيف معاناة الشعب السوري. تظهر أبحاثنا أن الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو نقص المأوى يواجهون مشاعر من الظلم، وهو دافع قوى لحمل السلاح. على المدى الطويل، ستحتاج سوريا إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة البناء. يمكن للحكومات الأجنبية تعزيز الاستقرار فى سوريا من خلال إشراك مجموعة متنوعة من أعضاء المجتمع المحلى فى جهود إعادة الإعمار لتجنب إثارة الانقسامات عن غير قصد، وبدلاً من ذلك تعزيز الهوية الثقافية المشتركة