حان الوقت لنتحدث عن معركة مصر الدبلوماسية التى خاضتها مؤسسات الدولة والقيادة السياسية؛ حفاظًا على أمنها القومى، ودفاعًا عن القضية الفلسطينية، وكيف نجحت مصر فى مواجهة الضغوط ورفضها كل الإغراءات؛ لتخفيف أعباء اقتصادية أو حلحلة أزمات ضاغطة فى الإقليم تُهدِّد مصالحها، وكان المطلوب فقط أن تغض الطرف عن مخطط التهجير وتصفية القضية الآن، ومع انطلاق الفصل الثانى من مخطط التهجير الإسرائيلى، بعد تدمير القطاع وجعل الحياة فيه مستحيلة- على حد وصف الرئيس عبد الفتاح السيسى -، ومحاولات إجبار أصحاب الأرض للبحث عن وطن بديل تبدأ معركة دبلوماسية جديدة، أشد ضراوةً وأكثر حساسيةً، فى مواجهة محاولات فرض واقع جديد على الفلسطينيين وعلى المنطقة بأكملها، فيبدأ حديثٌ مكذوب عن سلاح مصر وضرورته، ولماذا تستثمر مئات الملايين من الدولارات لتحديث الجيش رغم عدم تعرّضها لتهديدات أمنية، فتأتى الردود على لسان السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر فى الأممالمتحدة: «الإجابة بسيطة.. الدول الكبرى القوية مثل مصر تحتاج إلى جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومى بأبعاده الشاملة بتسليح كافٍ ومتنوع (ولندقق كثيرًا فى كافٍ ومتنوع)، والردع وتوازن القوى يضمنان السلام والاستقرار، ومصر أول من أرسى دعائم السلام فى الشرق الأوسط. مرحلة جديدة من استهداف مصر بشكل مباشر، بعد أن أفشلت المخطط، وفضحت مؤامرة التطهير العرقى. التحديات الأولى منذ اللحظة الأولى لانطلاق عملية «طوفان الأقصى»، وجدت مصر نفسها أمام مشهد شديد التعقيد: عدوان إسرائيلى غير مسبوق يُهدِّد بالقضاء على مقومات الحياة فى غزة، ومحاولات دولية لتحويل هذا العدوان إلى ذريعة لفرض تهجير جماعى للفلسطينيين نحو سيناء. لكن مصر، التى تفهم جيدًا أبعاد هذا المخطط، رفضت بشكل قاطع أن تكون جزءًا من هذا السيناريو المدمر. لم يكن الرفض مجرد تصريحات إعلامية أو مواقف دبلوماسية، بل كان موقفًا سياديًا، نابعًا من إدراك القيادة المصرية أن أى قبول بهذا المخطط يعنى تفكيك المنطقة وتهديد أمن مصر لعقود قادمة. بين الضغوط الدولية والإغراءات واجهت مصر ضغوطًا هائلة، بعضها صريح والآخر مُستتر؛ لتقديم تنازلات تُسهم فى تنفيذ المخطط الإسرائيلى، قدمت بعض القوى الكبرى وعودًا بمساعدات اقتصادية واستثمارات استراتيجية، فى محاولة لدفع القاهرة للقبول بموجات التهجير، لكن القيادة المصرية، مدركة أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية إنسانية عابرة، بل هى جوهر الأمن القومى العربى، اختارت أن تخوض المعركة بكل ثقلها.. رفضت مصر الدخول فى أى حسابات قصيرة النظر، وأعلنت للعالم أن القضية الفلسطينية ليست للبيع، وأنه لا مجال لتحويل سيناء إلى وطن بديل يُدفن فيه حق الفلسطينيين فى العودة. استراتيجية المواجهة تحركت مصر على عدّة محاور فى معركتها الدبلوماسية، حيث أدارت القيادة السياسية معركة ذكية، متوازنة بين الصمود أمام الضغوط واللعب على التوازنات الدولية فى المحافل الإقليمية، أعادت مصر بناء الإجماع العربى حول القضية الفلسطينية، مؤكدةً أن الأمن القومى العربى مترابطٌ، وأن أى تهجيرٍ للفلسطينيين سيُشكل خطرًا استراتيجيًا على المنطقة بأكملها، وعلى الصعيد الدولى، خاطبت مصر المجتمع الدولى بلغة المصالح المشتركة، مُحذرةً من أن أى تفكيكٍ للأرض الفلسطينية سيُشعل صراعات جديدة لا يُمكن السيطرة عليها. معبر رفح شهادة الصمود فى ظل الحصار والتدمير الممنهج، كان معبر رفح هو الشاهد الحى على معركة مصر الإنسانية والدبلوماسية، لم يكن مجرد معبر للمساعدات، بل كان رمزًا لصمود غزة، وشريان حياة يُثبت أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، على الرغم من القصف المستمر والظروف القاسية، واصلت مصر فتح المعبر لإدخال المساعدات، مؤكدةً أن دعم الفلسطينيين فى محنتهم جزءٌ لا يتجزَّأ من مسئولياتها التاريخية. الفصل الثانى: معركة جديدة ضد التهجير اليوم، مع استمرار العدوان الإسرائيلى ومحاولاته إعادة صياغة المشهد، تُواجه مصر فصلًا جديدًا من المعركة، هذا الفصل ليس فقط معركة لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات، بل هو معركة وجودية ضد محاولات إعادة رسم خارطة المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية، تقود مصر تحركات جديدة، تسعى من خلالها لتوسيع نطاق الدعم الدولى والإقليمى لموقفها الرافض للتهجير، وتعزيز صمود الفلسطينيين داخل أراضيهم. التهجير القسرى: إعادة إحياء مخطط قديم لم تكن فكرة التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء فكرة وليدة اللحظة، بل هى امتدادٌ لمخططات قديمة تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها وتوطينهم فى مناطق خارج وطنهم التاريخى، هذه الاستراتيجية، التى تُعيد إحياء مشاريع قديمة مثل «الوطن البديل»، تعكس نية إسرائيلية واضحة لإنهاء القضية الفلسطينية عبر القضاء على مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية، ولأن مصر تُدرك تمامًا أن أى قبول بهذا المخطط سيُؤدى إلى تغيير ديموغرافى خطير يُهدِّد أمنها القومى، فقد اتخذت موقفًا صارمًا فى وجه هذه المحاولات، واعتبرته خطًا أحمر لا يُمكن تجاوزه. فى مواجهة هذا المخطط، قامت مصر بتحركات دبلوماسية مُكثَّفة لكشف أهداف إسرائيل الحقيقية أمام المجتمع الدولى. استعانت القاهرة بملفات وثائقية وحقائق ميدانية تُثبت أن التصعيد الإسرائيلى فى غزة ليس مجرد رد فعل على العمليات الفلسطينية، بل هو جزءٌ من خطة منهجية تهدف إلى إخلاء القطاع، عملت مصر على حشد التأييد داخل الأممالمتحدة ومجلس الأمن، مُسلطةً الضوء على انتهاكات إسرائيل المُتكرِّرة للقانون الدولى الإنسانى، ومؤكدةً أن التهجير القسرى جريمة لا يُمكن للعالم أن يغض الطرف عنها. وسط الدمار والدماء فى غزة، كان الموقف المصرى مُشرِّفًا على المستوى الإنسانى. لم تكتفِ مصر بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية فحسب، بل أطلقت جهودًا مُنسَّقة مع المنظمات الدولية لضمان وصول هذه المساعدات إلى مُستحقيها، رغم التعقيدات الأمنية كذلك، بادرت مصر بتنظيم قوافل طبية وإغاثية، مع توفير أماكن علاجية للجرحى فى مستشفياتها. هذا الدعم الإنسانى لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل يعكس التزامًا عميقًا بدعم صمود الشعب الفلسطينى فى مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. مواجهة الضغوط وتحقيق التوازن على الرغم من الضغوط الخارجية الهائلة، واجهت مصر أيضًا تحديات داخلية كان على القيادة المصرية أن تُحقِّق توازنًا بين دعمها غير المشروط للفلسطينيين وبين احتياجاتها الوطنية المُلحَّة، تحملت مصر تبعات اقتصادية وأمنية نتيجة تدفق المساعدات والدور الإنسانى الذى تُؤديه، لكنها أدركت أن هذه التضحيات هى ثمن طبيعى للحفاظ على استقرار المنطقة ومنع حدوث أى انهيارٍ إنسانىٍّ أو سياسىٍّ يُمكن أن تكون عواقبه كارثية. مصر فى قلب الحل إن الموقف المصرى لا يقتصر على مواجهة اللحظة الراهنة، بل يُركِّز على بناء رؤية مستقبلية تُعيد الأمل للشعب الفلسطينى، تدعو مصر إلى حلً شاملٍ ومُستدامٍ يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدسالشرقية، باعتباره الحل الوحيد القادر على إنهاء الصراع وضمان استقرار المنطقة، تعمل مصر على إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولى، ساعيةً لإحياء مسار سياسى جاد يضع حدًا لدوامة العنف ويمنح الفلسطينيين حقهم المشروع فى تقرير المصير. ختامًا، إن معركة مصر الدبلوماسية ضد التهجير هى ليست فقط معركة حماية للحقوق الفلسطينية، بل هى معركة لحماية المنطقة بأكملها من مخططات التفتيت والفوضى مصر، بدورها الريادى والتاريخى، تُواصل الكفاح من أجل بناء مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا للفلسطينيين، وتُثبت مرةً أخرى أنها ركيزة الاستقرار وحارسة الحق فى العالم العربى.