لم يخف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تلكؤه في تكليف وتوجيه فريق التفاوض التابع لدولة الاحتلال قبل انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، قبل موعدها المقرر الإثنين الماضي. وذكر موقع «واللا» العبري، في تقرير أن نتنياهو ألغي لقاء كان مقررا مساء السبت مع رؤساء فريق التفاوض، كما قرر رفض اقتراحهم بإرسال الفريق إلى قطر، الإثنين، لبدء المفاوضات انتظارا لما كانت ستسفر عنه مشاوراته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول أمس الثلاثاء في واشنطن، ومفاوضات المرحلة الثانية تتعلق باستدامة وقف إطلاق النار وسحب الجيش الإسرائيلي من كل غزة، بمعنى إنهاء الحرب. ◄ مقترحات ترامب تهدد مكانة واشنطن كراعية للسلام ◄ بوتين لا يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا برغم تعهدات ترامب والحقيقة، أن خيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي محدودة للغاية، فلا يُمكن تجاهل رغبته القوية في استئناف الحرب، ومن ثم مُباشرة تنفيذ خطة اليمين المتشدد في اقتطاع أرض غزة، لكنه لن يستطيع أن يباشر هذه الحرب مرة أخرى إلا بموافقة الرئيس الأمريكي بشكل شخصي. وربما يتعشم نتنياهو في أن يستطيع الرئيس الأمريكي إقناع مصر والأردن باستقبال النازحين الفلسطينيين ومن ثم إفراغ القطاع من أهله، حتى تسهل المهمة على الاحتلال في قصفه بأسلحة نووية دقيقة تقلب أرض القطاع عاليها سافلها قبل أن تعيد إسرائيل بناءه على هيئة مستوطنات. ولا شك أن الرئيس الأمريكي نفسه ربما يرى في ذلك حلا جذريا للقضية. لكن ترامب ما إن نطق بهذه المقترحات العشوائية الظالمة والمقيتة حتى فوجئ برد فعل دولي وشعبي على نطاق عالمي رافض لوصفته للسلام، فاضحا لميله الشديد للجانب الإسرائيلي ومهددا لمكانة الولاياتالمتحدة كدولة راعية للسلام في الشرق الأوسط، وهي مكانة سعت لاكتسابها على مدى عقود. ◄ رفض التهجير وقبل مشاوراته مع نتنياهو، بادر الرئيس الأمريكي للاتصال بالرئيس عبد الفتاح السيسي والذي أوضح في وقت سابق بشكل غير قابل للتأويل رفض مصر قيادة وشعبا لمخططات التهجير. وما أحوج ترامب- في هذا الوقت- للإعلان عن أي انتصار دبلوماسي حققه في وقت يصطف فيه الحلفاء والأعداء على حد سواء؛ للرد على ضربته الأولى في الحرب التجارية التي أطلقها قبل أيام. ويعني ذلك أنه إذا كان حصل على ما يتمني في ذلك الاتصال لكان أعلنها على الملأ، لكن اليقين أنه تأكد بنفسه خلال تلك المكالمة من أن الموقف المصري لم ولن يتزعزع. وكيف يتزعزع الموقف المصري، وهو يعني أن الهدف التالي لإسرائيل بعد إفراغ قطاع غزة والاستيلاء عليه من جانب دولة الاحتلال، سيكون العمل في مشروع إسرائيل الكبرى وأوهامهم "من النيل للفرات"؟! ولن يعني قبول التهجير فقط تصفية القضية الفلسطينية، بل سيعني العمل في مشروع إسرائيل لتوسيع أرضها، وسيكون على الدول في المنطقة أن تخمن من عليه الدور التالي. ومنذ قدومه للسلطة، بدا أن الرئيس الأمريكي يتصرف بالحس الإمبراطوري، ظنا منه أن كل شيء خاضع لأمره.. لكن الحقيقة أن تجاهله لتعقد الصراعات وعدم دراسته أو فهمه الكافي لطبيعتها وأسبابها يؤشر لفشل ذريع ينتظره، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في بقية الملفات. ففيما يتعلق بأوكرانيا، لا يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متحمسا بشكل كافٍ لإنهاء الحرب بشكل سريع. وكان ترامب قد وعد مرارا خلال حملته الانتخابية بأنه إذا فاز سينهي الحرب في 24 ساعة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة.. فالجميع يريد إنهاء الحرب.. لكن السؤال سيكون بشروط من تنتهي الحرب؟ وهو جوهر السبب الذي جعل الصراع معقدا أمام وعود ترامب. حتى أن الرئيس الأمريكي دعا نظيره الصيني شي جين بينغ لحفل تنصيبه في واشنطن الشهر الماضي، وتحدث معه هاتفيا قبل التنصيب وطلب من بكين التوسط لدي روسيا لتقريب المواقف لإطلاق مفاوضات حل الأزمة ووقف الحرب. لكن مرة أخرى، يبدو الوضع معقدا بشدة، وهو ما جعل رئيس الوزراء الفنلندي يقترح مؤخرا أن يوما عند ترامب (24 ساعة) بثلاثة أشهر! ◄ مستقبل قاتم وفي الملف الاقتصادي، الذي لطالما يفخر به ترامب ويعتبره جبهة تفوقه على الديمقراطيين، فإن الأفق قاتم بالفعل للاقتصاد الأمريكي. وقال تقرير نشره موقع أكسيوس إن تقديرات حديثة من مؤسسة الضرائب غير الحزبية «تاكس فونديشن» تشير إلى أن الرسوم الجمركية المخطط لها من قبل ترامب قد ترفع تكاليف الأسرة الأمريكية العادية بمقدار 830 دولارًا إضافيًا هذا العام. وقدرت المؤسسة في تحليل لها الجمعة الماضي، أن الرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب بنسبة 25% على كنداوالمكسيك، و10% على الصين، ستؤدي إلى تقليص الناتج الاقتصادي للولايات المتحدة بنسبة 0.4%، وستزيد الضرائب بمقدار 1.2 تريليون دولار بين عامي 2025 و2034. كما أعلنت الصينوالمكسيكوكندا عزمها اتخاذ إجراءات مضادة، ردا على الرسوم الجمركية التي فرضها عليها الرئيس الأمريكي. وبعد أيام قليلة من توليه منصبه، أصبح من الواضح مدى استعداء الرئيس الأمريكي ترامب لقطاعات واسعة من المجتمعات والشعوب. وما بين تنفيذ وعوده والميل للتشدد، ظهرت ملامح سياسة ترامب تجاه أمريكا الجنوبية. وتمحورت أهم القضايا حول اعتزامه استعادة قناة بنما، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين بضوابط لا تقبلها دول القارة الجنوبية، وأخيراً فرض تعريفات جمركية مؤلمة على دول مثل المكسيك، فضلا عن التهديد بفرض تلك الرسوم على دول أخرى يعتبرها غير طيعة. ◄ خسارة أمريكا اللاتينية لكن القارة المليئة بالفرص الاستثمارية والمعادن النادرة والموارد الطبيعية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الرئيس الجديد. واعتبر تحليل نشرته مجموعة "ثينك تشاينا" أن إحدى كبرى القضايا الملحة بالنسبة للولايات المتحدة هي زيادة تأثير الصين في القطاعات الاستراتيجية في أمريكا اللاتينية، وخاصة في مجالات الفضاء والمراقبة ونقل التحليل عن الأكاديمي الأمريكي جون كالبريس أنه بينما يثير التوسع المتزايد للصين في هذه المجالات الحساسة قلقًا كبيرًا في واشنطن، فإن خطاب التحدي والسياسات العقابية للإدارة الأمريكية في عهد ترامب قد يقوض جهود الولاياتالمتحدة لتعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية والتعامل مع هذه التهديدات المحتملة. وأصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري للمنطقة والمستثمر الرئيسي في دول مثل البرازيل والأرجنتين وبيرو. والتمويل التنموي الذي تقدمه الصين لدول القارة بلغ 286.1 مليار دولار أمريكي بين عامي 2020 و2023. كما تمكنت الشركات المملوكة للدولة الصينية من السيطرة على الموانئ والمنشآت بالقرب من طرق التجارة الحيوية مثل قناة بنما ومضيق ماجلان، مما يعزز التأثير الاستراتيجي لبكين، ومنذ عام 2015، تحولت الصين من الإقراض العام إلى الاستثمارات القطاعية في المركبات الكهربائية (EVs)، البطاريات، الرقمنة والذكاء الاصطناعي (AI)، حيث تخطط شركات مثل BYD لإنشاء مصانع للمركبات الكهربائية في البرازيل. ويعزز السيطرة على عمليات التعدين للمعادن الحيوية موقع الصين في الانتقال العالمي للطاقة، بينما تعكس "الشراكات الاستراتيجية" مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين طموحاتها الدبلوماسية. وبعض صانعي السياسات الأمريكيين، بما في ذلك وزير الخارجية ماركو روبيو، أعربوا عن مخاوفهم بشأن الوجود المتزايد للصين في المنطقة، محذرين من أن أمريكا اللاتينية قد تكون مهددة بالاندماج في "كتلة اقتصادية-سياسية خاصة" تحت النفوذ الصيني. ◄ تغيير العالم وقال تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز إن ترامب يحب أن يرى نفسه كمُدمر للتقاليد والقوانين ومُفكك للمؤسسات. وكان صعد إلى السلطة بفضل اتباع شخصي جماهيري، مما يثير التساؤل عما إذا كان لديه القدرة على تغيير مجرى الأحداث وجعل الولاياتالمتحدة مختلفة في عالم مختلف. الرئيس المنتخب هدد بإلغاء الوكالات الحكومية المستقلة التي لا يحبها، وتحويل أخرى إلى إمارات خاصة به، وتسييس الجيش، وتجاوز الكونجرس من خلال تعيينات مؤقتة إذا رفض الموافقة على ترشيحاته. كما انتقد حلفاء أمريكا علنًا، والأمر الأسوأ أنه فعل ذلك أمام خصومهم. وهو يرى أنه لا قيمة أو فائدة للولايات المتحدة في القانون الدولي أو القواعد أو المؤسسات مثل الأممالمتحدة، منظمة التجارة العالمية، أو منظمة الصحة العالمية، ويستخف حتى بالتحالفات الأمريكية الأساسية مثل حلف الناتو. ◄ ماذا سيحدث؟! وبينما يحاول المراقبون تقييم ما تعنيه الرئاسة الثانية لترامب بالنسبة للولايات المتحدة والعالم، قد يكون السؤال الأكثر أهمية هو مدى قدرة الديمقراطية الأمريكية والنظام الدولي على تحمل الضغط. في مواجهة الكساد الكبير، أظهرت الأنظمة الديمقراطية في المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة مرونة، بينما انهارت الأنظمة في ألمانيا واليابان، وانزلقت العالم إلى أسوأ صراع عسكري في العصر الحديث. وعلى الرغم من أن النظام الحالي يبدو أقوى وأكثر مرونة من نظيره في الثلاثينيات من القرن الماضي، فإن الأعوام الأخيرة شهدت تجاهلًا للمعايير التي كانت تعتبر غير قابلة للخرق. حتى الآن، من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيتمكن من تحقيق هدفه المعلن بتغيير هائل لبدء عصر جديد، أو ما إذا كان سيجد نفسه مقيدًا- بموجب القوانين والهياكل الحكومية الحالية، أو بالمعارضة السياسية داخليًا، أو بالقوى الخارجية، ما سيحدث في النهاية قد يعتمد بقدر كبير على التوازن بين القوى المحيطة به كما يعتمد على استخدامه هو للسلطة، والقناعة - بأنهم قد تم اختيارهم، سواء كان ذلك من قبل القدر أو المصير أو الآلهة- قد حركت ودعمت بعض القادة السياسيين، لكنها غالبًا ما جعلتهم غير راغبين أو غير قادرين على قبول النصيحة أو الاعتراف بخطئهم. وهذا أحيانًا ما أدى إلى سياسات مجنونة أدت إلى كارثة لشعوبهم.