الخبراء: حملات إعلامية لإصلاح ما أفسدته دراما العنف خلف الأبواب المغلقة ، فى بيوت تبدو عادية ، من الخارج، تتشابك خيوط حكايات صامتة من الألم والمعاناة. أسر تجمعها روابط الدم ، لكنها تتصارع وتئن ، تحت وطأة الخلافات ، التى تبدأ صغيرة ، ثم ماتلبث أن تنمو وتكبر حتى تشتعل ، ويحدث مالايحمد عقباه .. جرائم مأساوية تغص بها صفحات الحوادث ، وتتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى ، الجانى والضحية غالبا ، بينهما صلة رحم ، بل من أسرة واحدة ، ابن يدفن أمه حية ، وأب يعاير ابنته بمرضها حتى تهرب إلى الشارع ، زوجه تطرد زوجها المسن ، وزوج يقتل حبيبة عمره ، وآخر يشوه وجه زوجته بماء النار.. نرصد فى هذا التحقيق، حكايات مؤلمة لضحايا العنف الأسرى بصوره المختلفة، ونتعرف من الخبراء والمختصين حول أسباب انتشار الظاهرة فى مجتمعنا وكيفية مواجهتها قبل استفحالها ، فى محاولة للسيطرة على نزيف الدم فى البيوت المصرية اقرأ أيضًا| لو بتتعرضي للعنف الأسري.. أرقام التواصل مع القومي للمرأة د. نهى الجندى| القوانين بحاجة إلى التشديد لضمان الردع لم يُصدق أصدقاء وجيران الشاب هيثم رمضان، فى منتصف الثلاثينيات أن تنتشر صوره على صفحات السوشيال ميديا بعد قتل زوجته ب 11 طعنة فى أماكن متفرقة ثم أقدم على الانتحار. فى غمضة عين تحولت العلاقة العاطفية التى يشهد بها الجميع إلى جريمة بشعة فى شوارع مصرالجديدة.. وقبلها جريمة أخرى أصابت الجميع بالصدمة بعد أن كشفت التحقيقات قيام زوج فى منطقة التجمع الخامس بقتل زوجته بعد مشادة قوية بينهما جرائم وقضايا مختلفة شبه يومية والسبب واحد.. «العنف الأسرى» الابن العاق استخرج شهادة وفاة لوالدته للاستيلاء على بيتها ! وجدت الحاجة فاطمة نفسها فى الشارع بعد أن تخلى عنها أبناؤها. كانت ضحية لجحود الأبناء الذين قاموا باستخراج شهادة وفاة لها، وأعلنوا أنها متغيبة عنهم، فى خطوة دمرت حياتها وأتاحت لهم توزيع الميراث المكون من عقار كامل كان قد ورثته عن والدتها. الحاجة فاطمة، التى نشأت فى مدينة السويس، عاشت طوال 11 عامًا تحت وطأة الجحود والإهمال من قبل أبنائها. حاولت مرات عديدة التواصل معهم، لكن كان يتم طردها فى كل مرة. إلى أن وجدت نفسها فى الشارع، تنام على الرصيف، تائهة لا مأوى لها. لم يكن لها سوى الأمل أن تجد يدًا تمتد إليها. هذا الأمل تحقق عندما تمكنت دار «زهرة مصر» لرعاية كبار السن والمشردين من احتضانها ورعايتها. وفى حديث لها، أكدت الحاجة فاطمة أنها لم تتخذ أى إجراءات قانونية ضد أبنائها رغم ما فعلوه بها، وفضلت أن تبقى بعيدة عن النزاعات القانونية، إلا أن ذلك لم يوقف معاناتها. من جهة أخرى، تواصلنا مع نجل الحاجة فاطمة، الذى أكد صحة الواقعة، لكنه أضاف أن والدته كانت تسكن معه ثم اختفت بشكل مفاجئ، مما دفعه للبحث عنها فى كل مكان. وعندما تلقى اتصالاً من مشرحة زينهم يفيد بوجود جثة تشبه والدته، ظن أنها هى، فبدأ فى إجراءات دفنها، معتقدًا أنها بالفعل والدته. بعد 11 عامًا، اكتشف أن والدته لا تزال على قيد الحياة، لكن المفاجأة كانت فى رفضه استقبالها، مبررًا ذلك بأنها ستتعبه وأنه يفضل أن تبقى فى دار الرعاية. حكاية صاحب مصنع فى حادثة مؤلمة، أقدم صاحب أحد المصانع وشقيقته على بيع شقة والدتهما المسنة، التى تعانى من الشلل، والتسبب فى إخراجها من منزلها للاستفادة من قيمة الشقة الكبيرة فوجدت السيدة المسنة البالغة من العمر 75 عامًا نفسها فجأة فى الشارع، بلا مأوى، بعد أن استغل أولادها مرضها ووهنها. وقاموا بتزوير توقيعها وأخذ بصمات يدها لبيع الشقة التى تقع فى منطقة العبور، طمعاً فى قيمتها التى تُقدر بحوالى 4 ملايين جنيه. ورغم أن الابن وابنته كانا فى وضع مادى مستقر، إلا أن الأم صُدمت من كلمات ابنها، صاحب المصنع، الذى قال لها: «اللى قدك ماتوا» وبسبب حالتها الصحية الصعبة وظروفها المأساوية، لم تجد السيدة المسنة ملاذًا سوى اللجوء للقضاء بعد أن وجدت نفسهابلا مأوى وبلا طعام وعلى الرغم من مخاوفها من التأثير على مستقبل أولادها، قررت اتخاذ الإجراءات القانونية بعدما أصبحت بلا مأوى أو مصدر للعيش. وأمام معاناتها، تضامن عدد من الجيران مع السيدة المسنة، حيث جمعوا مبلغًا من المال لتأجير شقة صغيرة لها إلى حين صدور الحكم فى قضيتها. وفى محكمة الأسرة بالعبور، تم إثبات حالة الجحود التى تعرضت لها السيدة من قبل أولادها، إضافة إلى أن الابن يمتلك مصنعًا ناجحًا فى القاهرة. وعلى ضوء ذلك، قضت المحكمة لصالح الأم بإلزام ابنها بدفع نفقة شهرية قدرها ألفا جنيه لكن وعلى الرغم من جميع الأفعال الجحودية التى ارتكبها، حاول الابن التملص من حكم المحكمة، فاستأنف على القرار، إلا أن المحكمة رفضت استئنافه، مؤكدة حق الأم فى النفقة الشهرية. أخ يمارس البلطحة على أشقائه لطمعه فى الميراث كله ! فى بنى سويف، عاشت أسرة بأكملها فى معاناة بسبب تصرفات شقيقهم الأكبر، الذى استولى على قطعة أرض تركها لهم والدهم المتوفى. وقد رفض الاعتناء بوالدتهم المسنة، بل اعتدى على أشقائه وأشقائه الآخرين بشكل مستمر. أمل، الشقيقة الصغرى، تحدثت عن اعتداءات متواصلة من شقيقها الأكبر، الذى يعتبر نفسه الأحق بكل شيء، بما فى ذلك الاستيلاء على الميراث. ورغم أن القضية بدأت بسبب ورث، إلا أن تصرفات الشقيق الأكبر تفاقمت لتصبح اعتداءات مباشرةعلى أشقائه، بسبب محاولتهم زيارة والدتهم التى تقيم فى منزل العائلة. بل إن الأوضاع وصلت إلى تصفية حسابات على حساب صحة والدتهم المسنّة. طردت زوجها من الشقة بعد إحالته للمعاش ! وفى إحدى القصص المؤلمة، يشتكى الحاج متولى من زوجته التى لم تراع سنوات العشرة والعمرالطويل بينهما. بعد العديد من الخلافات المستمرة، قررت الزوجة وبناتها الأربعة ، طرده من المنزل الذى عاشوا فيه سويًا سنين طويلة، بل وصلت إلى حد تزوير عقد الشقة لتحويل ملكيتها إليها وحدها. هذه الواقعة تبرز جانبًا آخر من العنف الأسرى، حيث يمكن أن يتعرض الزوج للظلم والإيذاء العاطفى والمادى، ما يعكس أن العنف الأسرى ليس محصورًا فى نوع واحد من الاعتداءات. تواصلنا مع الخبراء لنضع روشتة دواء لداء ينهش فى بيوتنا من جانبها أكدت الخبيرة القانونية د. نهى الجندى أن العنف الأسرى فى أى شكل من أشكاله لايمكن قبوله أو تبريره، مشددة على أن العائلة يجب أن تكون مبنية على أسس من الحب والاحترام المتبادل. وقالت: «الأسرة هى نواة المجتمع، وتتماسك عندما يكون هناك تواصل وحوار بين أفرادها. وإذا كانت العلاقة بين الزوجين تقوم على الود والحب، فسيترتب عليها نشأة سليمة للأطفال. وأوضحت د. الجندى أن العنف الأسرى غالبًا ما يكون نتيجة لعدة عوامل مثل اختلاف الفكر، الخيانات، الخرس الزوجى، والعصبية لكن الاعتداء على الزوجة أو الأبناء أمر مرفوض قانونيًا، ويمكن للمتضرر أن يتخذ الإجراءات القانونية مثل تحرير محضر شرطة وتقديم تقرير طبى لتوثيق الإصابات. وأشارت إلى أن القوانين الحالية بحاجة إلى مزيد من التشديد لضمان الردع والحد من الجرائم الأسرية. الخرس الزوجى: وتطرقت الجندى إلى قضية العنف الأسرى المنتشر فى المجتمع، قائلة: «انتشار حالات القتل بسبب خلافات زوجية يعكس غياب الوعى الدينى والاجتماعى كما أن الخرس الزوجى يعد أحد الأسباب الرئيسية للعنف، لذلك يجب أن يكون هناك توعية للمقبلين على الزواج بأن العلاقة الزوجية هى شراكة حقيقية يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل. وطالبت د. نهى الجندى بضرورة تشديد العقوبات على مرتكبى العنف الأسرى، موضحة أن التغليظ فى العقوبات سيقلل بشكل كبير من انتشار هذه الجرائم مشيرة إلى أن بعض الدول مثل أمريكا قد اتخذت خطوات جادة فى محاربة العنف الأسرى، من خلال إنشاء خطوط طوارئ لتلقى البلاغات، حيث يمكن للزوجة أو الطفل الإبلاغ عن أى حالة عنف، وتتخذ الدولة إجراءات صارمة مثل سحب تراخيص أو توقيع غرامات على الشخص المدان لضمان عدم تكرار الأمر أما تغريد شمس، رئيسة جمعية رعاية الأسرة، وعضو المجلس القومى للمرأة، أكدت على أهمية التوعية القانونية وتوفير الدعم للنساء فى جميع أنحاء مصر لمواجهة العنف الأسري. وقالت شمس: «من المهم أن يعرف الجميع أن هناك طرقًا متعددة للإبلاغ عن العنف الأسرى حيث يمكن للنساء اللجوء إلى الخط الساخن الخاص بالمجلس القومى للمرأة أو زيارة مقرات المجلس فى جميع المحافظات لمساعدتهم فى حالات العنف».. وأكدت على أهمية التوعية الأسرية، مؤكدة على ضرورة تعليم وتدريب النساء والفتيات فى جميع المناطق على كيفية التصدى للعنف الأسرى وحماية حقوقهن. غياب القدوة وانتشار أفلام العنف: أكدت الدكتورة عبلة البدرى، أستاذ علم الاجتماع، أن هناك العديد من العوامل التى ساهمت فى تصاعد ظاهرة العنف الأسرى فى المجتمع المصرى، مشيرة إلى أن غياب القدوة داخل الأسرة والدراما وأفلام العنف والبلطجة من أبرز الأسباب.. وأوضحت البدرى أن الأسرة أصبحت تفتقر إلى الاحترام المتبادل بين أفرادها، حيث يتأثر الأبناء بسلوكيات الآباء والأمهات، مما يؤدى إلى ترسيخ أنماط سلوكية غير صحية. وأضافت أن «النفس البشرية مثل الإسفنجة، تمتص كل ما يحيط بها، سواء كان إيجابياً أو سلبياً». وانتقدت أستاذ علم الاجتماع الدور السلبى الذى تلعبه الدراما والأفلام فى تعزيز السلوكيات العنيفة، حيث يظهر الأبطال فى معظم الأعمال الفنية كبلطجية ومتنمرين، مما يخلق قدوة سيئة للشباب.