وسط اضطرابات اقتصادية متزايدة وتنافس عالمي محموم، تسعى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لإطلاق استراتيجية نمو طموحة تهدف إلى إحياء الاقتصاد الأوروبي على مدى السنوات الخمس المقبلة. في هذا السياق، تطرح أورسولا فون دير لاين رؤيتها الطموحة من خلال "بوصلة القدرة التنافسية"، وهي وثيقة مكونة من 27 صفحة، تهدف إلى رسم خارطة طريق للنمو تمتد لخمس سنوات، حيث تجمع بين إصلاح التشريعات، وتحفيز الابتكار، وتعزيز تنافسية الشركات الأوروبية، لكن وسط التحديات المتصاعدة، من أزمة الطاقة إلى الضغوط المناخية، هل تملك فون دير لاين فعلا الأدوات اللازمة لإنعاش الاقتصاد الأوروبي، أم أن خطتها ستظل مجرد رؤية على الورق؟ اقرأ أيضًا: أورسولا فون دير لاين تفوز بجائزة شارلمان الدولية «لجهودها في توحيد أوروبا» تبسيط البيروقراطية أعلنت فون دير لاين عن خطة لتبسيط القوانين المعقدة التي تعيق نمو الاقتصاد الأوروبي، خاصة في مجال التمويل المستدام، وأشارت إلى أن هذه الخطوات ستساهم في توفير 37 مليار يورو سنويًا للشركات بحلول عام 2029، ما يعزز القدرة التنافسية الأوروبية، ومع ذلك، أثارت هذه الخطط قلق بعض نشطاء المناخ الذين يخشون تأثير التخفيف التنظيمي على البيئة، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية. أكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيظل ملتزمًا بأهداف الصفقة الخضراء الأوروبية، مشيرة إلى أن التحول الأخضر للقطاعات التقليدية يمثل جوهر استراتيجية النمو الجديدة، ومع اقتراب موعد "الصفقة الصناعية النظيفة" في فبراير الجاري، يتوقع أن تكون هذه الخطوات محورية في تحقيق إزالة الكربون وتعزيز كفاءة الموارد في الاقتصاد الأوروبي. استجابة لضغوط قطاع صناعة السيارات الأوروبية، وعدت المفوضية بإيجاد حلول مرنة تدعم استثمارات الصناعة مع الالتزام بأهداف المناخ، ومن المتوقع أن يناقش الحوار الاستراتيجي المرتقب بين المفوضية وصانعي السيارات كيفية تحقيق توازن بين تعزيز الاقتصاد الأوروبي والالتزام بالمعايير البيئية، في ظل غرامات قد تصل إلى 15 مليار يورو. خطة فبراير لتخفيف الضغوط الاقتصادية تدفع الشركات الأوروبية أسعارًا مرتفعة للطاقة مقارنة بنظيراتها في الولاياتالمتحدةوالصين، ما يشكل تحديًا ل الاقتصاد الأوروبي، فيما تخطط فون دير لاين للاستثمار في شبكات طاقة أكثر كفاءة، وربطها على نطاق أوسع لتقليل التكاليف، وفي نهاية فبراير، سيتم الكشف عن خطة عمل للطاقة بأسعار معقولة، ليفتح ذلك آفاقًا جديدة للقدرة التنافسية الأوروبية. دعم الحوسبة والذكاء الاصطناعي ومن جهة، ترى أورسولا فون دير لاين أن تعزيز الاقتصاد الأوروبي يستدعي تسريع الابتكار، خصوصًا في التقنيات المتقدمة، لذا، تعهدت بإطلاق استراتيجيات لدعم الشركات الناشئة والذكاء الاصطناعي، مع استثمارات أمريكية هائلة ونماذج ذكاء اصطناعي صينية منخفضة التكلفة، يدرك الاتحاد الأوروبي أن المنافسة مُحتدمة، ويتطلب الأمر قوة حوسبة وبنية تحتية سحابية متقدمة. خصصت المفوضية الأوروبية تمويلًا لإنشاء مصانع ذكاء اصطناعي وتعزيز قدرات الحوسبة السحابية، بهدف تطوير نماذج ذكاء ضخمة، ومع ضعف تبني الذكاء الاصطناعي في الشركات الأوروبية، تسعى استراتيجية "Apply AI" إلى تسريع التحول الرقمي، حيث لا يقتصر الأمر على الذكاء الاصطناعي، بل يشمل أيضًا الكم والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات، وكلها محاور أساسية لمستقبل الاقتصاد الأوروبي، بحسب «بوليتيكو». ثورة في أسواق الاستثمار الأوروبية يخطط الاتحاد الأوروبي لإعادة تشكيل بيئة التمويل عبر تطوير "اتحاد الادخار والاستثمار"، مما يسهل على الشركات الناشئة الوصول إلى رأس المال، ومن خلال بنك الاستثمار الأوروبي، ستُقدم ضمانات وقروض وحتى استثمارات مباشرة في الأسهم، كما أن قانون الأعمال الجديد سيوفر بديلاً أكثر تكاملًا للأنظمة الوطنية، ليدعم ريادة الأعمال ويسرّع عجلة الاقتصاد الأوروبي. رغم تعزيز التنسيق بين الاستثمارات الوطنية، لا تزال هناك فجوة في التمويل المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، تمهد "البوصلة" الطريق لإعادة توجيه الأموال الإقليمية نحو التقنيات الحيوية بدلاً من البنى التحتية التقليدية، وعلى المدى الطويل، تدعم فون دير لاين ربط التمويل العام بالميزانية المقبلة، لضمان استدامة الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز تنافسية الاقتصاد الأوروبي. سياسة «شراء الأوروبي» تسعى الحكومات الأوروبية إلى تفضيل المنتجات المحلية في المشتريات العامة، ما قد يعزز الشركات الأوروبية لكنه يثير تساؤلات حول الحماية التجارية، وفي الوقت ذاته، تخطط المفوضية لإنشاء منصة صناعية لتأمين المواد الخام الاستراتيجية، نظرًا لاعتماد الاقتصاد الأوروبي على واردات المعادن النادرة، التي تهيمن الصين على إنتاجها ومُعالجتها. ترى "البوصلة" أن سياسة المنافسة أداة محورية، حيث تدعو إلى مراجعة لوائح الاندماج لتعزيز الابتكار والاستثمار في القطاعات الحيوية، وستحصل صناعة الصلب والمعادن على خطة دعم تتضمن تمويل الإنتاج وحماية السوق من الواردات الرخيصة، بينما ينتظر قطاع الكيماويات استراتيجية مشابهة. بينما تسعى أوروبا إلى تعزيز الاتصال بين دولها عبر شبكة سكك حديدية فائقة السرعة، حيث ستصدر خطة طموحة هذا العام لربط الاقتصادات الأوروبية بشكل أكثر سلاسة، كما يجري الإعداد لاستراتيجية خاصة بالموانئ والصناعات البحرية لتعزيز كفاءة التجارة البحرية, طفرة في الرعاية الصحية ب«مارس 2025» يعمل الاتحاد الأوروبي على تحديث إطاره القانوني لدعم الابتكار في التجارب السريرية، مع إطلاق استراتيجية متكاملة للعلوم الحيوية، ومن المتوقع إصدار قانون خاص بالأدوية الأساسية في مارس المقبل، إلى جانب تعديلات تسهّل تطوير الأجهزة الطبية، وبالتأكيد ستعزز هذه المبادرات الاقتصاد الأوروبي عبر تحسين البيئة البحثية وتشجيع الشركات الصحية على الابتكار أكثر وأكثر. أما من جهة الصناعات الدفاعية، فقد دفعت الحرب الروسية الأوكرانية بروكسل إلى حث شركات الدفاع على تسريع الإنتاج، لكنها تواجه عراقيل قانونية وتمويلية، لذلك، تسعى الجهات الأوروبية لتبسيط الإجراءات وتوفير دعم أوسع للصناعات الدفاعية، ولا شك أن هذه الخطوات لا تعزز الأمن فحسب، بل تمثل دفعة مهمة للاقتصاد الأوروبي عبر زيادة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الدفاعية المُتقدمة. في المقابل، على الرغم من تركيز الاتحاد الأوروبي على التكنولوجيا والصناعة، تظل الزراعة جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الأوروبي، حيث تسعى الاستراتيجية الجديدة إلى تحسين كفاءة القطاع عبر تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، مع تعزيز ريادة الأعمال الزراعية، ومع ذلك، لا يُتوقع أن تُحدث هذه الخطوات تغييرًا جذريًا بالقطاع الزراعي، لكنها ستسهم في جعل القطاع أكثر استدامة وربطًا بالاقتصاد الدائري.