مسيرات حاشدة فى رفح ترفض اقتراح ترامب والفلسطينيون متمسكون بأرضهم حتى آخر نفس. فى أسبوع واحد خرجت من مصر وغزة رسالتان إلى العالم تحملان نفس المعنى ولكن بلغتين مختلفتين.. نفس المعنى هو القول الفصل الذى لا يحتمل التأويل.. هو الخط الأحمر الذى لا يجب أن يتعداه مَن يقف على الطرف الآخر.. لا للتهجير القسرى للفلسطينيين ولا وألف لا لتصفية القضية الفلسطينية. الرسالة المصرية خرجت من الجانب المصرى لمعبر رفح، الذى شهد أمس الأول مسيرات ومظاهرات حاشدة لوفود جاءت زاحفة من جميع محافظات مصر تعلن رفضها بشكل قاطع ونهائى لاقتراح الرئيس الأمريكى ترامب أن تستضيف مصر والأردن مليونًا أو مليونًا ونصف مليون فلسطينى بصفة مؤقتة أو دائمة -لم يحدد- لتوفير حياة كريمة لهم بعدما استحالت الحياة فى قطاع غزة بعد حرب مدمرة استمرت أكثر من 15 شهرًا! الجماهير الرافضة لاقتراح ترامب أكدت تأييدها المطلق لموقف الرئيس السيسى فى هذا الشأن، الذى أكد أن ترحيل أو تهجير الشعب الفلسطينى ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر، ولا يمكن أبدًا التنازل عن ثوابت الموقف المصرى التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، التى يستهدف هذا الاقتراح تصفيتها.. وقد حذرت مصر منذ بداية الحرب على غزة أن يكون الهدف منها هو جعل الحياة فى قطاع غزة مستحيلة ليتم تهجير الفلسطينيين بعد ذلك، وقد رفضنا ذلك منذ البداية. العاهل الأردنى أيضًا كان موقفه حاسمًا وواضحًا، وأكد أن الأردن ومصر لا تقبلان باقتراح ترامب، ولا بتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسرى للفلسطينيين، وأن الحل الوحيد المتاح هو حل الدولتين الذى يؤيده العالم كله، ونسى ترامب أو تناسى أن الدول العربية مجتمعة -وليست مصر وحدها- سبق أن تقدمت عبر المبادرة العربية للسلام بالاقتراح الوحيد المقبول لضمان تحقيق الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، وهو حل الدولتين مقابل التطبيع الكامل مع إسرائيل، وهو الحل الذى تؤيده معظم دول العالم، لكن إسرائيل مازالت ترفضه وتتهرب من الالتزام به. الرسالة التى خرجت من غزة جسدها مشهد مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين العائدين إلى مدنهم وقراهم فى شمال قطاع غزة سيرًا على الأقدام لمسافة تصل إلى 20 كيلو مترًا عبر شارع الرشيد الموازى للبحر.. مشهد غير مسبوق فى التاريخ يحمل رسائل كثيرة للعالم أجمع أهمها تمسك هذا الشعب العظيم وارتباطه بأرضه حتى آخر نفس. العائدون يسرعون الخطى شيوخًا وشبابًا.. رجالًا ونساءً وأطفالًا يرفعون علامة النصر والمرضى على كراسى متحركة.. أهم ما فى المشهد فرحتهم بالعودة رغم توقعهم أن يجدوا منازلهم مهدمة تمامًا ولا تصل إليها الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغاز، ومع ذلك يصرون على العودة إليها، والالتحاق بها بأى صورة من الصور.. بأمتار من البلاستيك أو أفرخ الكارتون يصلون بها ما بين الحوائط المهدمة حتى تصلهم المعونات من الخيام سهلة التركيب. وعلى طريق موازٍ هو محور صلاح الدين يمتد طابور طويل من السيارات وعربات الكارو، التى تحمل أمتعة هؤلاء السكان، الذين نزحوا بها إلى جنوب القطاع.. يعودون بها إلى منازلهم أملًا أن يجدوا أية وسيلة لإعادة استخدامها فى منازلهم المهدمة. كاميرات الفضائيات تابعتهم وسجلت مشاعرهم، التى أكدوا فيها جميعًا فرحتهم بالعودة، وتمسكهم بأرضهم ومنازلهم حتى لو كانت مهدمة ورفضهم أية اقتراحات لتهجيرهم خارج قطاع غزة مهما كان الثمن أو المقابل. هذا المشهد المؤثر تابعه العالم كله وتأثر به، وازداد اقتناعًا بضرورة الحل العاجل والعادل للقضية الفلسطينية.. الحكومات والشعوب تأكد اقتناعها بذلك ما عدا حكومتين فقط.. حكومة الاحتلال الإسرائيلى والحكومة الأمريكية. مصر الشقيقة الكبرى لا تتخلى أبدًا عن الأشقاء العرب، ولا تتأخر عن تقديم يد العون والمساعدة لهم.. أمس وطبقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار فى غزة تم فتح معبر رفح البرى لاستقبال المرضى والجرحى الفلسطينيين للعلاج بالمستشفيات المصرية، وبدأ عبور المرضى والجرحى بمعدل 250 مريضًا وجريحًا يوميًا.. عاشت مصر سندًا لكل عربى.