إن تراث ياسر رزق الصحفى فيه ما يُمكن أن يُصبِح كُتُبًا أخرى. يؤرخ لبلدنا وتُدوِّن الكثير من تفاصيل حياته الروحية والمادية والمدنية هكذا تجرى السنوات تأخذ منا فى جريها أعز ما نملك، وتتركنا فى بحار الوحدة والوحشة والحيرة والتساؤلات التى بلا جدوى. إلى أن فاجأتنى جريدة الأخبار التى لا حد لإمكانيات القائمين عليها فى عددى يوم الأحد 26 يناير، ويوم الإثنين التالى. كتب فى ذكرى رحيل ياسر رزق «17 نوفمبر 1965 - 26 يناير 2022» الذى مازلت لا أتخيل حدوثه. وأعتبره أحد الأمور التى لا يقبل بها العقل ويرفضها الوجدان. كتب فى هذه المناسبة الزميل عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة مقالا عنوانه: ياسر رزق عاشق الورقة والقلم. وكتب الدكتور أسامة السعيد رئيس تحرير الأخبار: سيرة أطول من العمر. وقدَّم الشاعر عاطف النمر: خُماسيات. كما أنه كتب: سنوات من الحضور. وكتب الزميل كرم جبر: هذا هو ياسر رزق. وقبلهم وبعدهم كتب زميلنا وصديقنا محمد درويش عن ياسر رزق الذى أعرف كم كان يُحبه. سيبقى ياسر رزق علامة مهمة فى تاريخ الأخبار فى أحيانٍ كثيرة لا يقبل وجدانى فكرة رحيله رغم مرور ثلاث سنوات على هذا الرحيل المُفجِع. ومن قبله كنت قد عرفت والده، ومن بعد أن توثقت صلتى به تعرفت على رفيقة دربه وشريكة عمره أمانى ضرغام، التى أعتقد أن عائلتها تعود إلى محافظة البحيرة التى جئت منها. أما ياسر رزق فهو صحفى أكثر من نادر وإنسان وجميل وبديع خلقه الله سبحانه وتعالى لكى يكون صحفيًا وصحفيًا فقط. وكان يُدرك هذه الحقيقة فكان يُنفِّذها فى حياته لحظة بلحظة، ودقيقة بدقيقة. وكنت كلما تحدثت معه تليفونيًا فى أغلب الأحيان ومباشرة فى أقلها أُدرِك أن هذا الإنسان النبيل شديد الصفاء والعذوبة والإنسانية جاء إلى الدنيا ليكون صحفيًا. صحيح أن له كتابا وحيدا عنوانه: سنوات الخماسين بين يناير الغضب ويونيو الخلاص. والذى اعتُبِر من أهم ما كتبه خلال مشواره الصحفى الذى كان خلاله شاهدًا ومشاركًا وراصدًا لكل ما سجله بأسلوبه الجميل والسهل والبديع. لذلك يُعتبر كتابه وثيقة من وثائق تاريخنا المعاصر التى عشناها بدقة. لكن يبقى تدوينها مسألة مهمة ولا تقل عما يكتبه المؤرخون أهمية. كانت سنوات حافلة بالأحداث وكان ياسر إنسانًا وكفى. أى أن إنسانيته الفيَّاضة وروحه الطيبة وحُبُه للمهنة وعشقه لزملائه أمور مكَّنته من أن يكون صحفيًا مهمًا ومرموقًا. عمِلَ ياسر عبر حياته المهنية فى كل مناحى العمل الصحفى سواء مندوبًا أو محررًا أو متابعًا لما يجرى فى أرض الوطن. وكان له اهتمام خاص بقواتنا المسلحة الباسلة والعظيمة وبطولاتها النادرة التى حدثت فى تلك الأيام، وقائد مصر الفذ الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أعتبره مؤسس مصر الحديثة بعد محمد على باشا فى القرن التاسع عشر، وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك فى القرن العشرين. إن تراث ياسر رزق الصحفى فيه ما يُمكن أن يُصبِح كُتُبًا أخرى. يؤرخ لبلدنا وتُدوِّن الكثير من تفاصيل حياته الروحية والمادية والمدنية، وقبل كل هذا بطولات جيشنا العظيم الذى شارك شعبنا الطيب الوفى فى بناء بلدنا الحديث. كنت أتمنى أن تُقام ندوة عنه، سواء فى مؤسسة الأخبار أو نقابة الصحفيين. فهو يستحق منا أن نقف أمامه لكى نقول له: شكرًا حتى بعد رحيله. فسيظل طاقة نور تشعُّ بالوهج والصدق والتضحية وحُب الآخرين، وقبل كل هذا حُب مهنته التى أعطاها عُمره حتى اللحظة الأخيرة. كان مريضًا ويعلم أنه مريض. ومع هذا لم يستخدم هذا المرض كمبرر لأن يعمل أقل، أو يقوم برسالته بصورة تتناسب مع حالته الصحية. أيضًا ربما كان ياسر رزق المريض الوحيد الذى عرفته وقد كان يحاول أن ينسى مرضه ويتناسى أوجاعه ويدفن كل هذا بالعمل العظيم الذى كان يقوم به. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأحلُم من الآن بيومٍ نقرأ فيه مُعظم إن لم يكن كل ما كتبه فى سنوات عمره التى لم تكن طويلة ولم تتجاوز أبدًا سبعة وخمسين عامًا. عاشها بالطول والعرض والعُمق والارتفاع، وكان يُدرك أنه صاحب رسالة ومهمة عليه أن يؤديها فى حياته التى كانت للأسف الشديد قصيرة، وتلك إرادة الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد.