ليس تراجعاً أو تقهقراً، أو نكوصاً، وإنما خطوة للخلف من أجل خطوتين للأمام. فى لحظة ما فى مسيرتنا يواجه المرء ما يثير حيرته، وربما يدفعه للتردد فى مواصلة السير، إنه عند مفترق طرق، فأى سبيل يسلك؟ وما الذى يضمن له ان خياره صحيح؟ التريث حتمي، والحساب الدقيق للخطوة التالية ضروري، بل إن العودة لنقطة الانطلاق يكون الاصوب، بعبارة أدق: الانسان فى هذه اللحظة عليه أن يتحصن بالعودة للأصل الثابت ليتيقن أن الأساس الذى يبنى عليه راسخ متين. لعلها لحظة الحقيقة التى تتطلب حساباً دقيقاً، وتحديداً واضحاً، وتحليلاً للواقع ، وفهماً واعياً بالظروف المحيطة حتى يتحرك الإنسان فى الاتجاه السليم، لإحراز النجاح المتوخى. يمضى كل منا فى طريق، متصوراً أن جميع خطواته موفقة، وفى اللحظة التى يظنها اقتربت به من إنجاز أمانيه وأحلامه، فإذا به قد ابتعد عما كان يأمله ويتمناه! من ثم فإن العودة للأصل لضبط بوصلته يكون القرار الصائب. لا أحد يطلب، بل ليس من حق كائن من كان، أن يطلب من آخر أن يتنازل عن طموحه ، أو يختار مساراً غير ما يحبذه، ولكن المراجعة لا التراجع، ضمانة مهمة لترشيد المسيرة. فى رحلة الحياة عثرات ومشاكل وأزمات من شأنها أن تقود المرء دون قصد، لدوامة من الأمواج العاتية ، أو الولوج فى مساحة ضبابية تحرمه من الرؤية الدقيقة، عندئذ يجب أن يغادر مظلة الثبات المريحة لعقله، لكنها فى الحقيقة تبعده عن غايته. العودة للأصل أو لنقطة البداية تتيح للإنسان القدرة على امتلاك تقييم للخطوات التى قطعها وإجراء نظرة تحليلية مدققة، وطرح العديد من التساؤلات التى لا يملك إجابة أمينة عليها سواه. لماذا أخفق فى كذا؟ وكيف لم يتفادَ الوقوع فى كيت؟ وماذا عساه أن يفعل إذا تكرر ذات الموقف فى قادم الأيام؟.... و...؟ عندما يلتقط الإنسان أنفاسه يكون بوسعه التمييز بين غاياته وأهدافه والوسائل التى فضلها وربما لم تكن الأنسب أو الأكثر عمليا أو قابلية للتحكم ، أو تتمتع بالمرونة الكافية. لتكن شيئاً أقرب إلى استراحة المحارب من أجل انطلاقة جديدة، تمتلك قوة دفع طازجة أكثر تكيفا مع الظروف المستجدة، ومتجاوزة للأخطاء فى ممارسة سابقة. العودة للأصل فى المحصلة الأخيرة قرار يتطلب جرأة وحكمة فى توازن دقيق، فإعادة النظر فى هدف أو وسيلة ضرورة للاستمرار فى إنفاق وقتك ، يعنى جزءا أو مرحلة من حياتك، فلا تتردد فى اتخاذ هذا القرار، ولا تؤجله للغد.