أخيرًا، تنجح الصور فى منحى شعورا بالسعادة، بعد أن ظلّت مُفجرا أساسيا لطاقة الحزن على مدى شهور. الأشقاء الفلسطينيون يتزاحمون على العودة إلى شمال غزة، رغم يقينهم بأن الأطلال وحدها ستكون فى استقبالهم. هنا يتحول التمسك بالأرض تحت أى ظرف، إلى أحد أهم أشكال مقاومة محاولات التهجير، التى انطلقت قبل سنوات بأفكار تبدو عابرة، إلى أن جرى ترويجها فى تصريحات متناثرة، على ألسنة قادة الاحتلال، ثم جاء ترامب ليعيد تعبئتها وتصديرها. الإحالة إلى التاريخ يُمكن أن تُمثّل مرجعية منطقية لما يجرى التخطيط له، عندما اتفقت قوى الاستعمار قبل أكثر من قرنٍ على مخطط تقسيم المنطقة، كى تضمن لنفسها نفوذا أوسع، ومع انتفاضة الأقصى وتوابعها عادت هذه الأفكار لتطفو على السطح، وأخذ الحديث عن تهجير الأشقاء الفلسطينيين يتزايد، عبر تصريحات متناثرة لقادة الاحتلال، لكن القيادة السياسية تصدّت لها بكل حاسم، ورفضها الرأى العام المصرى والعربى، حتى من جانب مواطنين بسطاء لا يهتمون بالسياسة من الأساس، ثم جاءت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكى الجديد، كى تثير موجة من الغضب، أعتقد أنها سوف تتصاعد، رفضا لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة وديموجرافيتها. الطروحات الأمريكية الأخيرة لا تتوقف عند حدود منطقتنا، بل تحاول التمدد لتغيير ثوابت خرائط عديدة فى مناطق مختلفة من العالم، مما رفع نبرة الاستنكار فى مواجهتها، خاصة أنها تمس استقلالية دول عديدة شرقا وغربا، وقد كشف ترامب عن أحلامه منذ ترشحه وزاد وتيرتها بعد إعلان فوزه، وكثيرون منا يذكرون تصريحاته عن مساحة إسرائيل التى تبدو صغيرة، وتفكيره فى كيفية توسيعها! وها هو يتمادى قبل ساعات، ويطرح فكرة التهجير بشكل أكثر وضوحا، وبدلا من حل المشكلة جذريا سعى للالتفاف عليها، وهو ما يزيد اشتعال المنطقة، ويزرع فيها مزيدًا من القنابل منزوعة الفتيل. مع انطلاق التصريحات شعرتُ بالقلق، لكن حشود النازحين جعلتْنى أدرك أن الواقع على الأرض كفيل بالتصدى للمؤامرات، فما ضاع وطنٌ وراءه مُطالب!