بعد انتصار دونالد ترامب في انتخابات أمريكا 2024 بنوفمبر الماضي، ساد التفاؤل بين حاملوا العملات الرقمية بالولايات المتحدة، الذين رأوا في ترامب فرصة لتخفيف القيود التنظيمية ودعم القطاع الرقمي. لكن المفاجأة الكبرى جاءت قبل أيام من تنصيبه رسميًا، حين اجتمع كبار المستثمرين وخبراء السوق في واشنطن خلال فعالية Crypto Ball التي جرت في واشنطن آنذاك، ليصدمهم ترامب بإعلان إطلاق عملته الرقمية الخاصة، ما أثار موجة من الجدل حول تأثير هذه الخطوة على العملات الرقمية، وحتى مستقبل التنظيمات المالية بالولايات المتحدة. اقرأ أيضًا| قصة غلاف| «إيكونوميست» تستعرض ملامح عصر إمبراطوري جديد ل«ترامب» ◄«ترامب كوين».. لعبة ولاء أم مضاربة خطيرة؟ أثار إعلان ترامب عن «ترامب كوين»، وهي عملة ميمية بلا قيمة جوهرية، جدلًا واسعًا، حيث اندفع المتداولون والمضاربون بسوق العملات الرقمية لشرائها، مدفوعين بحملة ترويجية ضخمة، وأدت هذه الحماسة إلى تداولات بمليارات الدولارات، ما جعل الشركات المرتبطة بمنظمة ترامب تجني أرباحًا ضخمة على الورق، رغم المخاوف من استقرار هذه السوق، بحسب مجلة «تايم» الأمريكية. فيما لم يمضِ يوم واحد على إطلاق عملات ترامب حتى أعلنت ميلانيا ترامب عن عملتها الرقمية الخاصة، ما أدى إلى تقلبات سعرية جنونية، وبحلول الأربعاء، وصلت عملة «ترامب كوين» إلى المرتبة 25 عالميًا وفقًا لإحصائيات موقع «CoinMarketCap»، رغم هبوط سعرها من 75 دولارًا إلى 43 دولارًا، ما أثار تساؤلات حول مستقبلها كاستثمار حقيقي أم أنها مجرد موجة مضاربة عابرة... حيث أحدثت العملات الرقمية التي تحمل اسم ترامب ضجة واسعة، إذ جذبت مستثمرين جددًا إلى سوق العملات المشفرة، فالبعض رأى فيها دعمًا من ترامب لهذا القطاع، بينما اعتبرها آخرون مجرد وسيلة لاستغلال ولاء أنصاره لتحقيق مكاسب مالية ضخمة، خصوصًا أن فريق ترامب يسيطر على 80% من المعروض، ما يمنحهم نفوذًا كبيرًا على سعرها. وحيال ذلك، حذر خبراء العملات الرقمية بالولايات المتحدة من أن هذه العملات قد تعزز مخاوف الاحتيال في قطاع مشبوه أصلاً بقضايا النصب والتلاعب، واعتبرت الباحثة بمركز بلوكتشين التكنولوجية في كلية لندن الجامعية، أنجيلا والش، أن ظهور ترامب في هذا المجال عزز الصورة السلبية للصناعة، مشيرةً إلى أن استغلال السلطة لتحقيق مكاسب في سوق متقلب يضر بمصداقية القطاع ويزيد من مخاطر الخداع المالي للمستثمرين. وفي مؤتمر صحفي عقده في 21 يناير، حاول دونالد ترامب التقليل من دوره في إطلاق عملته الرقمية قائلًا: "إنني لا أعرف الكثير عنها سوى أنني أطلقتها"، في المقابل، تثير جهات قانونية مخاوف من أن العملات الرقمية المرتبطة بشخصية سياسية قد تفتح الباب أمام شبهات الفساد، مثل تلقي دعم مالي غير مباشر من جهات أجنبية بطرق يصعب تتبعها قانونيًا. اقرأ أيضًا| قصة غلاف| «تايم» تكشف تحديات ترامب في تشكيل مستقبل أمريكا iframe allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture; web-share" allowfullscreen="" frameborder="0" height="400" referrerpolicy="strict-origin-when-cross-origin" src="https://www.youtube.com/embed/IXRAS7bsdaQ" title="ترامب يرفع "عصا الجمارك" لحماية الدولار" width="600" ◄هل تشكل عملات ترامب خطرًا على الأمن القومي؟ وفقًا لمجلة «تايم» الأمريكية، يرى بعض الخبراء أن هذه العملات ليست مجرد استثمار مالي، بل قد تشكل وسيلة للرشوة والتأثير السياسي، وعلى غرار ذلك، حذرت المحامية بوجا أولهافر، من أن هذه الرموز الرقمية تفتح قناة لترامب لتلقي أموال من أطراف أجنبية، ما قد يؤثر على قراراته السياسية، ويجعل المصالح الشخصية تطغى على الاعتبارات الوطنية. وتعتبر عملات الميم نوعًا من العملات الرقمية التي يتم إنشاؤها عبر البرمجة على عالم البلوكشين التقني، دون قيمة جوهرية فعلية، بل تعتمد على ثقة المستثمرين وانتشار الميمات في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شهدت بعض العملات مثل دوجكوين وشيبا إينو ارتفاعات هائلة بفضل الترويج من مشاهير مثل الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، لكنها تبقى استثمارات عالية المخاطر. ◄ ماذا يعني تحول الميمات السياسية لأصول مالية؟ لطالما استخدم أنصار ترامب الميمات كأداة تسويقية، حيث غمرت وسائل التواصل الاجتماعي خلال حملاته الانتخابية بمحتوى رقمي مؤيد له، وفي عام 2023، ظهرت عملات رقمية تحمل أسماء مثل "Pepe TRUMP" و"MAGA Token"، تعامل معها البعض كمؤشر على فرص فوزه بالرئاسة الأمريكية التي جرت في عام 2024، ما ساهم وقتها في تقلبات حادة بأسعارها، وسط رهانات ضخمة من المستثمرين. ولم يكن دخول ترامب إلى سوق العملات الرقمية حديث العهد، فقد أطلق في 2022 سلسلة بطاقات NFT وحقق منها أرباحًا كبيرة، كما أعلن لاحقًا عن منصة "World Liberty Financial"، ومع ازدهار عملات الميم، قد يجد رواد الأعمال في العملات المشفرة وسيلة سهلة لتحقيق مكاسب سريعة، مستغلين ظاهرة ترامب الرقمية وتأثيره على الأسواق. ◄ترامب يدخل عالم العملات الرقمية بمفاجأة مدوية قبل يومين فقط من أدائه اليمين الدستورية الذي جرى ب 20 يناير الماضي، أطلق دونالد ترامب رمزه الرقمي عبر شركته CIC Digital LLC، تزامنًا مع حفل Crypto Ball الصاخب، ولم يكن معظم الحاضرين، بمن فيهم رائد الأعمال نيك أونيل والمغني سنوب دوج، على دراية بهذه الخطوة، ما أحدث صدمة في سوق العملات الرقمية وحيالها لوحظ تدافع غير مسبوق للمستثمرين. وشهد اليوم التالي لإطلاق الرمز موجة بيع وشراء جنونية، ما تسبب في تأخيرات طويلة على منصات مثل Solana وCoinbase، حتى الرئيس التنفيذي لشركة Coinbase، برايان أرمسترونج، أقر بعدم توقع هذا الارتفاع الحاد، وخلال 24 ساعة، بلغت قيمة الرموز التي يسيطر عليها فريق ترامب 51 مليار دولار، رغم استحالة تحويل هذا الرقم إلى سيولة حقيقية دون تراجع السعر بشكل كبير. كما دخلت ميلانيا ترامب على الخط بإطلاق عملتها الرقمية MELANIA، ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة رمز ترامب، إذ انخفض من 70 إلى 45 دولارًا خلال ساعة واحدة فقط، كما انتشرت عملة BARRON المزيفة، غير المرتبطة بابن ترامب، لتصل إلى 460 مليون دولار قبل أن تنهار بنسبة 95٪، ما أوضح الفوضى التي جرت في سوق العملات الرقمية حينها. اقرأ أيضًا| عملة ترامب تقلب السوق الرقمي.. القصة الكاملة ل«$TRUMP» ◄اتهامات بالاستغلال وانعدام الشفافية رأى بعض مؤيدي ترامب في مجال العملات الرقمية أن هذه الخطوة لا تتماشى مع مبدأ اللامركزية، حيث يسيطر فريق ترامب على 80٪ من الرموز المتداولة، وكشفت شركة Bubblemaps أن 89٪ من رموز MELANIA مملوكة لمحفظة واحدة فقط، كما حقق فريق ترامب 58 مليون دولار من رسوم التداول وحدها، ما أثار انتقادات واسعة بشأن استغلال نفوذه لجني الأرباح. كمل رأى محللون أن هذه التطورات دمرت مصداقية ترامب بين المستثمرين، حيث اعتبر مايكل أ. جايد أن هذه الفوضى تسببت في انهيار ثقة السوق، بينما وصف المحلل أنطوني سكاراموتشي الأمر بأنه ضربة كبيرة لمجتمع العملات الرقمية، من جانبه، تساءل المستثمرون عن الغاية الحقيقية وراء هذه الحمى الرقمية، وهل تخدم مبادئ الاقتصاد الرقمي أم تقتصر على تحقيق مكاسب سريعة؟ فيما حاول الآباء المؤسسون للولايات المتحدة تجنب مثل هذه السيناريوهات عبر بنود المكافآت في الدستور الأمريكي، والتي تمنع الرؤساء من تحقيق مكاسب مالية من مناصبهم، في حين يدافع البعض عن موقف دونالد ترامب بحجة أنه أطلق الرموز قبل توليه الرئاسة رسميًا، ما يجعله مواطنًا عاديًا حينها، بينما يرى آخرون أن استمرار امتلاكه لها يعزز تضارب المصالح. اقرأ أيضًا| في لعبة الرسوم الجمركية| أوروبا تناور بسياسة العصا والجزرة ضد ترامب