في قلب القاهرة، وبالتحديد في شارع المعز لدين الله الفاطمي، يقف مسجد ومدرسة السلطان الظاهر برقوق كواحد من أروع المعالم التاريخية التي تعكس روعة العمارة الإسلامية في عصر المماليك. أنشأ هذا الصرح الفريد السلطان الظاهر برقوق بين عامي 786-788 ه (1384-1386م)، ليكون شاهداً على عبقرية التصميم والتنفيذ، ومركزاً دينياً وتعليمياً يُدرّس فيه العلوم الدينية إلى جانب كونه مكاناً للعبادة والتأمل. اقرأ أيضا| السلطان برقوق يقع في مأزق بسبب فتوى رمضانية في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل تاريخ هذا المعلم البارز، مكوناته، وأهم ملامحه المعمارية التي جعلت منه جوهرة معمارية خالدة. ** تاريخ مسجد ومدرسة الظاهر برقوق أنشأ السلطان الظاهر أبو سعيد برقوق هذا المسجد كأول حاكم لمصر من المماليك الجراكسة، ليكون شاهداً على عظمة حكمه وازدهار الفن المعماري في عهده. تم بناء المسجد في موقع كان يشغله "خان الزكاة"، الذي أمر السلطان بهدمه ليقيم بدلاً منه هذا الصرح العظيم الذي يجمع بين العبادة والتعليم والتصوف. ** التصميم المعماري الفريد يتكون المسجد والمدرسة من عدة أجزاء رئيسية تشمل: 1- المسجد الجامع: يتميز المسجد بتصميمه على نظام الصحن المحاط بأربعة أيوانات، حيث يُستخدم الإيوان القبلي كمسجد للصلاة. تم تغطية القسم الأوسط من الإيوان بسقف مستوٍ مزخرف بنقوش مذهبة، وكسيت الجدران بوزرة من الرخام الملون، بينما زُين المحراب بالرخام المطعم بالصدف. 2- الخانقاه: وهي مكان مخصص لتأمل المتصوفين وانقطاعهم للعبادة، وتتصل بالمسجد مباشرة. تحتوي الخانقاه على غرف صغيرة للانعزال والتأمل، مما يجعلها مركزاً روحياً هاماً. 3- القبة الضريحية: تضم القبة مدفناً للسلطان الظاهر برقوق وابنه السلطان الناصر فرج، إلى جانب أفراد من أسرته. صُممت القبة بشكل مربع، وغطيت أرضيتها برخام ملون يبرز جمال التفاصيل الفنية. ** العناصر الزخرفية والهندسية قام المهندس شهاب الدين أحمد بن الطولوني بتصميم المسجد، وهو مهندس مبدع ينتمي لعائلة متخصصة في العمارة. أبرز معالم التصميم تشمل: - الأعمدة الرخامية: صُممت بأشكال متناسقة وزُينت بزخارف مذهبة. - الأبواب الخشبية: تتميز بالزخارف النحاسية المذهبة والنقوش القرآنية، حيث نقشت أسماء السلطان برقوق وألقابه على بعض الأبواب. - فسقية المسجد: تقع في منتصف الصحن، وتقوم على أعمدة رخامية تعلوها قبة صغيرة، مما يضفي جمالية على الساحة الداخلية. - دكة المبلغ: صُنعت من الرخام، وتوجد بجوار الإيوان القبلي لتستخدم في رفع الأذان أو التبليغ أثناء الصلاة. ** الضريح يتوسط الضريح المسجد، ويتميز بتصميم مربع طوله 10.5 متر. يحتوي الضلع الشرقي للضريح على محراب مجوف تعلوه طاقية ذات عقد مدبب. النقوش القرآنية من سورة "يس" تضفي روحانية على المكان. يضم الضريح غرفتي دفن: 1. الأولى للسلطان برقوق وولده السلطان الناصر فرج. 2. الثانية لزوجته خوند شيرين وابنتيه. ** أهمية المسجد والمدرسة تاريخياً ودينياً لعب المسجد دوراً مركزياً في تعليم العلوم الشرعية كالحديث والفقه والشريعة، مما جعله مركز إشعاع علمي في عصر المماليك. بالإضافة إلى ذلك، مثلت الخانقاه مكاناً هاماً لتأمل المتصوفين وتعزيز الحياة الروحية. ** لوحة زيتية توثق التاريخ تم توثيق أحد أبواب المسجد بلوحة زيتية رائعة رسمها الفنان النمساوي لودفيج ديوتش عام 1902، والتي تعكس الجمال المعماري للمكان وتفاصيله الدقيقة. مسجد ومدرسة الظاهر برقوق ليس مجرد صرح ديني، بل تحفة فنية تروي عبق التاريخ وروعة العمارة الإسلامية. يعكس هذا المكان الأهمية الكبيرة التي أولاها سلاطين المماليك للفن والعمارة، ليبقى هذا المسجد شاهداً على الحضارة الإسلامية وواحداً من أعظم معالم شارع المعز لدين الله الفاطمي.