لقد قام العقاد بتفصيل القضية الصهيونية بصورة بالغة الدقة والإحكام، فكل جملة فى هذا الكتاب تحمل ثقافة موسوعية. الأربعاء: روائح الكتب معرض القاهرة الدولى للكتاب ليس مجرد تظاهرة ثقافية كبيرة تضم مبدعى الأمة العربية فى مكان واحد فقط؛ وإنما هو فرصة حقيقية لمقابلة الأصدقاء من المبدعين فى كل المجالات، والذين قد لا أقابلهم إلا فى هذا التوقيت من كل عام؛ إذ يكون معظمهم من الأقاليم أو من مدن بعيدة ولا توجد فرصة سانحة أنسب من الاتفاق على قضاء يوم كامل بين أحضان الكتب وفى دفء المناقشات الملتهبة والمناوشات الجادة عن أبرز الكتب المعروضة هذا العام ومدى تقييمنا لها؛ فضلًا عن الشكوى من ارتفاع أسعار المراجع الكبرى التى تتجاوز آلاف الجنيهات، مما يُقلل قائمة مشترياتنا إلى نصف ما كنا نأمله ونرجوه ونتطلع إلى قراءته فى القريب العاجل.. لكن ذلك لا يمنعنا جميعًا من التكيف وتوزيع الأدوار؛ بحيث لا نكرر العناوين ونتبادلها فيما بيننا على فترات متقاربة.. والحقيقة أننى أكون أكثرهم بؤسًا وأنانية فى هذا الأمر؛ لأننى لا أحب الشراكة فى الكتب أبدًا؛ كما أن لى طريقة خاصة فى القراءة، إذ أكتب على الهامش وأضع خطوطًا وتعليقات كثيرة، مما «يُشوه» الصورة العامة للكتاب أو «يُجملّها»، لا فرق؛ لأن النتيجة ستكون واحدة فى النهاية، ولكن لكل قارئ طريقة؛ لذلك أحرص دائمًا أن أكون آخر القراء بين زملائى؛ لأن الكتاب لن يخرج من عندى إلى مكان آخر! عندما أنظر إلى مكتبتى العامرة أثق تمامًا أننى سأعيش طويلًا لأقرأ كل هذه الكتب التى لم أقرأها بعد؛ أو حتى تلك التى قرأتها مرات عديدة وأحتاج إلى مراجعتها المستمرة؛ والحقيقة أننى وجدت من بين الشباب المصريين عشرات المبدعين الجادين الذين يُبشرون بمستقبل واعد فى الرواية والشعر والمسرح؛ وفى كتابة التاريخ الحديث ودراسات التاريخ القديم والفكر الفلسفى؛ لقد صدق من قال إن مصر «ولادة» لا يُمكن أن تضمر أو تعقم أبدًا. الأحد: الصهيونية العالمية انتهيت مؤخرًا من إعادة قراءة كتاب: «الصهيونية العالمية» للأستاذ العقاد، وكنت قد قرأته مرارًا من قبل ضمن الأوراد اليومية التى أحرص عليها فى التردد على كتب العملاق للتزود من عقله، وفى كل مرة تنكشف حجب وتنزاح غشاوات.. والكتاب كان فى معظمه مجموعة أحاديث أذاعها الأستاذ العقاد ولاقت صدى كبيرًا بين المستمعين فقام الشاعر: محمد خليفة التونسى «تلميذ العقاد» بتقييدها بمقدمة وخاتمة. ورغم بُعد الشقة ومرور ما يزيد على سبعين عامًا على إذاعة هذه الأحاديث فإن الوقائع تكشف أن الساسة العرب لم يلتفتوا إلى هذا الكتاب المهم مما أوقعهم فى (النكسة) العربية المهينة.. لقد قام العقاد بتفصيل القضية الصهيونية بصورة بالغة الدقة والإحكام، فكل جملة فى هذا الكتاب تحمل ثقافة موسوعية.. يقول العقاد: «إذا كان هناك شيء يتفق عليه العرب والصهيونيون، ويتفق عليه من يكتبون لمصلحة القضية العربية ومن يكتبون لمصلحة الصهيونية، فذلك هو الحقيقة التى تبدو لأول نظرة ثم تبدو مؤكدة مرددة بعد مئة نظرة: أن إسرائيل لا تحتمل البقاء مع مقاطعة العرب لها، فإذا قاطعها العرب وثابروا على مقاطعتها، فليس فى الأرض قوة تنصرها عليهم، وليس بالعرب من حاجة إلى سلاح يدفعون به خطرها أمضى من هذا السلاح».. هذه الكتابات تحتاج دائمًا إلى إعادة قراءة لزيادة الاحتراس من ألاعيب تلك العصابات التى أفسدت العالم ولا تزال. الأربعاء: برغوث زوجة عمى! قصة زوجة عمى مع الحيوانات الأصغر منها تستحق أن تُروى فى مجلداتٍ ضخمةٍ دُونها قصص ألف ليلة وليلة والشاطر حسن؛ ليس فقط لأنها تعطف على كل صغير الجسم وضعيف البِنية من تلك الأنواع التى تُذكرها «بحبتها» القليلة؛ ولكن لأنها تعتقد أن احترام تلك الخلائق من لزوميات الأسر العريقة الضاربة فى العظمة إلى نفرتيتى وحتشبسوت، وهى كثيرًا ما تنتفخ حالفة بأغلظ الأيمان أن جدتها أرتها شجرة العائلة التى تثبت أنها من الأسرة المالكة الفرعونية مع أنها فى الجلسة ذاتها لا تفتأ تذكر بأن عصبيتها الزائدة إنما ترجع إلى ذلك «العِرق» التركى الممتد إلى الأسرة العلوية. ولأننى «مرزق» بالمصائب فقد قادتنى قدماى إلى زيارة عمى فى «عرينه» ذلك، فوجدت مباراة حامية الوطيس من جانب زوجة عمى وكأنها منتخب هولندا فى كأس العالم وقد أنشب مخالبه فى المنتخب المصرى «التائه» الذى هو بالطبع عمى. هى تقسم برأس جدها الباشا القديم أن هذا البرغوث الذى تجرأ واحتل ملابسها إنما هو من بقايا زيارته الأخيرة إلى قريته الشهر الماضى، وأنه من ذلك النوع «المشيطن» الذى لم تُجدِ معه حملات النظافة ووسائل التطهير التى أشرفت عليها بنفسها مع الخادمة ثلاثة أيام متواصلات عقب عودته الميمونة! هو يقسم برأس عمه العمدة أن هذا البرغوث اللعين إنما يرجع إلى زوجة أخيها المقيمة فى حى شعبى «بيئة»، وأنه من بقايا ملوثات زيارتهم إليها فى عقر دار قبيلة البراغيث حينما وضعت مولودها الخامس. ولأننى أعترف بالجُبن تجاه صنفين من الناس: الطفل الصغير المهيبر الذى قد «يلوشك» بحجر فى وجهك ويظنها إحدى المغامرات المحبوبة؛ والمجنون الذى قد يرسلك إلى حتفك تحت عجلات المترو أو الأتوبيس وهو يضحك، أو على الأقل يصفعك على قفاك أمام الناس دون أن تأخذ منه لا حقًا ولا باطلًا.. أقول ذلك لأننى كنتُ أمام صنفٍ ثالثٍ من الواجب أن أتحاشاه؛ ولهذا فقد وقفت على الحياد وحاولت اتخاذ موقف «وسطى» بين تلك الشظايا المتناثرة واستخدمتُ خبرتى الصحفية لإفهامهما أن البرغوث كائن عالمى الآن، وصاحب بيت، وأنه استحق مكانته بعدما التحق بفصيلته الحيوانية اللاعب «ميسى»، وأن أعداءه ومحبيه على السواء يسمونه بالبرغوث لأنه يلدغ فجأة؛ وأقسمت لزوجة عمى، وأنا أول الكاذبين، أنه لشرف وأى شرف تواجد البرغوث الشهير فى منزلها العامر؛ وكذلك ذكرت أنه حتى القدماء من الشعراء كانوا يعطفون عليه ويدعون إلى الرحمة به وعدم قتله، ومنهم فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعرى الذى يقول: تسريح كفك برغوثا ظفرت به أبرّ من درهم تُعطيه محتاجا كلاهما يتوقى، والحياة له حبيبة، ويروم العيش مهتاجا ولأنه ليس لعمى ولا لزوجته صلة قرابة بأبى العلاء وفلسفته، ولا ب «ميسى» وشهرته، فقد تطايرت «فِرد» الأحذية من كلا الجانبين المتصارعين، فوجدتنى أنسلُّ هاربًا من نيران المعركة المشئومة حامدًا الله على النجاة من تلك الأنياب المفترسة، وإن لم يوافقنى بطنى على ذلك الجُبن الذى يضر به كثيرًا ووجدته يطالبنى بالمكوث قليلًا ريثما يحصل على وجبته الموعودة من الكباب والكفتة والذى منه، ولكن بقية الأعضاء أقنعته أن الانتظار كفيل بتحويله «كيسًا» بين المتصارعين.. فقلتُ يا «فكيك»!! الجمعة: من تراثنا الثقافى من دعاء الإمام الحسين، رضى الله عنه، فى يوم كربلاء: «اللهم أنت ثِقتى فى كلّ كَرب، ورجائى فى كلّ شِدّة، وأنت لى من كل أمرٍ نَزلَ ثقةٌ وعُدّة، فكم من هَمّ يَضعف فيه الفؤاد، وتقلُّ فيه الحيلة، ويَخذلُ فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، فأنزلْتُهُ بِكَ وشكوتُهُ إليك؛ رغبةً فيهِ إليك عمّن سِواك، ففرّجتَه وكشفتَه وكَفَيْتَنِيه، فأنت لى وَليُّ كلِّ نعمة، وصاحبُ كلِّ حسنة، ومُنتهى كلِّ غاية». «البداية والنهاية للحافظ المفسر ابن كثير».