بعد تنصيب ترامب رئيسًا للمرة الثانية، تدخل الولاياتالمتحدة مرحلة فارقة في ظل وعوده الجريئة، مثل تقليص الهدر الحكومي، وإنهاء الحروب الخارجية، وإصلاح نظام الهجرة. اقرأ أيضًا: تنصيب ترامب.. مذكرة مسربة تهز برلين بشأن تداعيات عودته فمع تمتعه بدعم قوي من الكونجرس ببرلمان يهيمن عليه الجمهوريون ومحكمة عليا منحته هامشًا واسعًا من السلطة، بات الرئيس الأمريكي المنتخب يسعى لتنفيذ سياسات كبرى، من فرض قيود صارمة على الهجرة إلى إعادة التفاوض على التحالفات الدولية، وبين مؤيد يرى فيه قوة التغيير المطلوبة للبلاد، ومعارض يخشى من تهديده للديمقراطية، يبقى السؤال الأهم.. هل سيعيد ترامب تشكيل أمريكا وفق رؤيته، أم ستفرض عليه المؤسسات والتحديات الواقعية إعادة النظر في مساره؟ في ظل الأجواء الصاخبة التي رافقت تنصيب ترامب للمرة الثانية رئيسًا للولايات المتحدة، برزت لحظة أداء القسم الدستوري باعتبارها الحدث الأهم وسط التعديلات الطارئة على مكان الحفل، والاحتفالات الفاخرة، والمبالغ الضخمة التي جمعت من كبار المانحين. هذا القسم، الذي أقره واضعو الدستور في عام 1787، يرمز إلى التزام الرئيس بسيادة القانون، إذ ينص صراحة على أن الرئيس الأمريكي الجديد يجب أن يؤدي اليمين للحفاظ على الدستور وحمايته. ووفقًا لمجلة «تايم» الأمريكية، لم يكن الجميع مقتنعين بأهمية هذا القسم عند وضعه، حيث رأى بعض المندوبين أنه مجرد إجراء رمزي لا تأثير له، في حين اعتبره آخرون ضروريًا لضمان استقرار النظام السياسي الأمريكي، وآخرون اعتبروه أنه من الضروري إعادة التفكير في رمزية هذا القسم، خاصة مع حالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها المجتمع الأمريكي. فمن جورج واشنطن إلى يومنا هذا وعقب تنصيب ترامب، لطالما عُدّت هذه الكلمات الخمس والثلاثون التزامًا أخلاقيًا قبل أن تكون نصًا دستوريًا، ووفقًا للمجلة الأمريكية ذاتها، فسواءً أحبّه البعض أو عارضوه، لا يمكن إنكار أن ترامب يمثل إحدى أقوى قوى التغيير في التاريخ السياسي الأمريكي. خلال ولايته الأولى، كسر ترامب العديد من المسلّمات التي حكمت المشهد السياسي لعقود، وبعد تنصيب ترامب مجددًا للمرة الثانية، تتعزز هذه الرؤية، إذ يستمر في تحدي الأعراف التقليدية، بدءًا من إعادة صياغة العلاقات التجارية الدولية وصولًا إلى التشكيك في استقلال المؤسسات القانونية والعسكرية، ما يجعله أكثر الرؤساء تأثيرًا بالولاياتالمتحدة منذ فرانكلين روزفلت. وعود جريئة ومعارك غير محسومة لكن رغم قوته كعنصر تغيير، فإن ترامب هو أيضًا نتاج لتحولات عالمية كبرى، مثل تصاعد النزعات القومية، ووعودة الحمائية الاقتصادية، واشتداد التنافس مع الصين، وبعد تنصيب ترامب، يجد العالم نفسه أمام تحديات أكثر تعقيدًا، من الهجرة غير الشرعية إلى التهديدات السيبرانية. بعد تنصيب ترامب رئيسًا للمرة الثانية، تعهد بإحداث تغييرات جذرية عبر سياسات صدامية، من الترحيل الجماعي للمهاجرين إلى فرض قيود على الإعلام الأمريكي، بل وحتى مزاحه حول ضم جرينلاند وكندا للولابات المتحدة، ويرى أنصاره أن تحديه للأعراف السياسية ضروري لحل الأزمات المستعصية، مثل تقليص العجز الحكومي وإنهاء الحروب الخارجية، كالحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة التي شهدت تطورات جديدة مع إعلان وقف إطلاق النار الأحد الماضي، بعد وساطة مصرية قطرية أمريكية. يدخل ترامب ولايته الثانية مدعومًا بتفويض شعبي قوي، وكونجرس جمهوري موحد، ودعم واسع من نخبة الأعمال، خاصة في قطاع التكنولوجيا، فبعد تنصيب ترامب، يرى كثيرون أن وجوده في البيت الأبيض قد يكون فرصة لإصلاح المؤسسات الأمريكية التي أصابها الجمود، لكن مع ذلك، سيواجه مقاومة شديدة من معارضيه. رغم معارضتهم العلنية، تبنى الديمقراطيون بعض سياسات ترامب تدريجيًا، فقد أبقى بايدن على الرسوم الجمركية ضد الصين، بينما تبنت نائبة الرئيس الأمريكي السابق كامالا هاريس خطابه ضد فرض الضرائب على الإكراميات، فبعد تنصيب ترامب، يستعد الديمقراطيون لمعارك سياسية جديدة، إذ يدعم بعضهم سياساته، بينما يرفض آخرون خططه الأكثر تطرفًا، ما يعيد تشكيل ملامح الصراع الحزبي، وفقًا لمجلة «تايم». ترامب ضد المؤسسات.. من يفرض القواعد؟ التحديات الكبرى أمام ترامب لن تأتي فقط من المعارضة، بل أيضًا من النظام القانوني والمؤسسات السياسية، وبعد تنصيب ترامب، يطرح تساؤل.. هل سيلتزم بقرارات المحاكم؟ فهو لم يتردد سابقًا في تهديد خصومه ونشر الجيش ضد المتظاهرين، ومع حصانته الرئاسية، يبقى السؤال مفتوحًا بشأن مدى التزامه بالقوانين الأمريكية. رئيس مُدان يواجه ترامب انتقادات حادة بسبب إدانته ب 34 تهمة جنائية قبل عام واحد فقط من فوزه بانتخابات أمريكا 2024، ومع ذلك، بعد تنصيب ترامب، يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب، ماضٍ في ممارسة السلطة بأقصى حدود القانون، فتغييره لحلفائه السياسيين باستمرار، وتعيين مستشارين جدد حتى قبل توليه المنصب، يعكس استعداده للمواجهة بكل الوسائل الممكنة. رغم المخاوف المستقبلية من نهج ترامب، أثبت النظام الأمريكي قدرته على الصمود أمام تحديات كبرى من أزماته القانونية وحتى الدستورية، وبعد تنصيب ترامب، يصبح التحدي الأكبر هو ضمان احترام القسم الرئاسي الذي توسع ليشمل حماية الدستور والدفاع عنه، فهل سيلتزم ترامب بهذا العهد؟