مع اقتراب تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير الجاري، بدأ العالم يشهد تحولات جذرية في سياسات القوى الكبرى. تمحورت هذه التحولات الكبرى حول سلسلة من التصعيدات بدأت بالحروب التجارية ضد الصين، وتعهُد ترامب بفرض الولاياتالمتحدة رسوما جمركية شديدة من الممكن أن تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي بأسره، وتبع ذلك تحدٍ متزايد للغرب واشتداد المنافسة مع القوى الاقتصادية الكبرى، ومع تصاعد التوترات الاقتصادية، دخلت الملفات النووية على خط المواجهة، حيث ازدادت الاستفزازات النووية، ما فاقم التوترات الجيوسياسية بشكل لم يسبق له مثيل. اقرأ أيضًا| الناتو في مهب الريح.. موسكو تنفذ «استراتيجية رمادية» لاختراق خطوط الحلف ◄تحديات كبرى بعد فوز ترامب بانتخابات أمريكا 2024 في نوفمبر الماضي، ومع سيطرة الجمهوريين على الرئاسة والكونجرس والمحكمة العليا، يبرز احتمال تغييرات كبيرة في سيادة القانون الأمريكي، من تسييس المؤسسات العسكرية إلى انتقاد التحالفات، تبدو توجهاته بعيدة عن القواعد التي حكمت الولاياتالمتحدة لعقود وعقود، بحسب مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية. وعلى مدار التاريخ وفي مواجهة الضغوط، تثبت بعض الأنظمة الديمقراطية قدرتها على الصمود بينما تنهار أخرى، خلال الكساد الكبير، نجت الديمقراطيات في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، لكن اليوم، رغم عمق الجذور الديمقراطية الأمريكية، يبقى السؤال.. هل يستطيع النظام الفيدرالي مواجهة ضغوط جديدة؟ يبقى قياس قوة المؤسسات أمرًا غامضًا حتى تواجه تحدياتها المباشرة،و ينطبق ذلك على النظام الدولي، حيث تبدو القواعد التي بدت راسخة تتآكل بمرور الوقت، وقد يكون الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب قادرًا على إحداث تغييرات جذرية، لكن العوامل المحيطة به، محليًا ودوليًا، ستحدد مدى تحقيق طموحاته أو قيده. لطالما انقسم الباحثون حول دور القادة في تشكيل الأحداث الكبرى أو تأثرهم بها، بينما يفضل السياسيون دراسة القوى القابلة للقياس، يميل المؤرخون إلى تحليل الشخصيات المؤثرة، فالقادة، رغم انتمائهم لعصورهم، يملكون قوة تغيير المسار التاريخي، مستخدمين نفوذهم في توجيه مجتمعاتهم أو حتى البشرية نحو مستقبل مختلف، وفقًا للمجلة الأمريكية ذاتها. أشارت المجلة الأمريكية، إلى أن تجارب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن الشخصية، من انهيار الاتحاد السوفييتي وخوض بلاده الحرب الروسية الأوكرانية، شكلت هوسه باستعادة مكانة روسيا على الساحة السياسية، وجعلت منه قائدا يهدف لإعادة بناء روسيا كقوة عظمى، مهما كان الثمن. اقرأ أيضًا| كيف ستتأثر أوكرانيا بالتحولات السياسية في أمريكا بعد عودة ترامب؟ ◄أيديولوجيات متطرفة الزعماء الذين يرون أنفسهم مختارين للقدر غالبًا ما يرفضون النصائح ويتمادون في سياسات خطرة، فمثلا هتلر سعى لتدمير أوروبا لتحقيق هيمنة عرقية، بينما دفع الزعيم الصيني السابق ماو تسي تونج، الصين إلى كوارث إنسانية بملاحقته رؤى طوباوية، وكانت هذه السياسات المدمرة نتيجة لثقتهم العمياء بأفكارهم، دون اكتراث بالتكلفة البشرية. ووفقًا لما أشارت له المجلة الأمريكية، فإنه لو لم يظهر شخصيات مثل هتلر ورئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، وينستون تشرشل في التاريخ، لكان العالم قد أخذ مسارًا مختلفًا تمامًا، فالهجوم الذي شنّه هتلر لم يكن مجرد صراع عسكري بل كان تجسيدًا لإيديولوجية متطرفة جعلت ملايين البشر يتبعون رؤيته المدمرة. أما تشرشل، فبشجاعته ورؤيته الثاقبة ألهم الشعب البريطاني في وقت كان العالم فيه على حافة الهاوية، وهؤلاء الأفراد، بفضل شخصياتهم القوية ومعتقداتهم المتطرفة، استطاعوا تشكيل مسارات أممهم بل وتغيير وجه التاريخ نفسه. أما اليوم، ومع اقتراب تنصيب دونالد ترامب رسميًا، فقد أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب، عن خطط طموحة تشمل ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي وفرض تعريفات جمركية باهظة، لكنه لم يوضح مدى تنفيذ هذه الوعود، لكن السؤال، هل تهديداته مجرد استفزازات تلوح في الأفق، أم جزء من رؤية لتحويل الولاياتالمتحدة في عالم تقسمه كتل قوة؟ iframe allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture; web-share" allowfullscreen="" frameborder="0" height="400" referrerpolicy="strict-origin-when-cross-origin" src="https://www.youtube.com/embed/IXRAS7bsdaQ" title="ترامب يرفع "عصا الجمارك" لحماية الدولار" width="600" في الولاياتالمتحدة، تكشف جاذبية ترامب عن استياء واسع النطاق تجاه المؤسسات القائمة، رغم تحسن الاقتصاد بعض الشيء في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، كانت الحكومة الفيدرالية تُرى غير فعالة وفاسدة، لكن ترامب أدرك هذه المشاعر واستغلها بمهارة، ما جعله صوتا للناخبين الذين شعروا بخيبة أمل من الوضع الراهن وانعدام الثقة في الديمقراطية حتى وصل للسلطة مرة أخرى. لكن وصول ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية لم يكن سهلا، فالتمكن من استغلال السخط الشعبي للوصول إلى السلطة يتطلب عبقرية خاصة، على سبيل المثال، استخدم مؤسس الاتحاد السوفيتي وزعيم الثورة البلشفية التي حدثت في روسيا، لينين، شعاره البسيط "السلام والخبز والأرض" لانتزاع الدعم في روسيا عام 1917، نفس الشيء فعله هتلر في ألمانيا 1933، حيث نجح في إقناع النخبة بضرورة تعيينه مستشارًا، ليبدأ بعدها في بناء نظام جديد بكل مؤسساته وقيمه. في أوائل الثلاثينيات، كان الشعب الألماني يطمح إلى قائد قوي يضع حلا للأزمات الاقتصادية والعنف المنتشر، ومع ذلك، بينما كانت دول غربية مثل الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة تواجه تحدياتها الخاصة، كانت حكومة هتلر النازية تلقى إعجابًا بفضل إحياء الاقتصاد وسياساتها الجريئة. اقرأ أيضًا| شولتس يختتم رحلته السياسية.. ماذا تخبئ المرحلة القادمة لألمانيا؟ ◄ ترامب وحدود السلطة العديد من الزعماء، مثل تشرشل وروزفلت، احترموا الحدود الدستورية رغم امتلاكهم سلطات استثنائية في أوقات الحرب، بينما يعكف ترامب على اتباع مسار أكثر تحديًا للأنظمة القائمة، وقد يختار تجاوز حدود السلطة الداخلية والخارجية، مدفوعًا بقوةٍ شخصية دون التراجع عن قراراته، بحسب المجلة الأمريكية ذاتها. من نابليون إلى هتلر ولينين، كل هؤلاء القادة تجاهلوا القواعد المقبولة لتحقيق أهدافهم، مثلما فعل هتلر بتحدي معاهدة فرساي وإعادة تسليح الراينلاند، وهذه الأفعال ألهمت قادة آخرين للسير على نفس النهج، ما أبرز أهمية الأفعال التي قد تدفع آخرين لاختبار هذه القواعد بأنفسهم، خاصة في ظل غياب العقوبات الفعّالة. وبعد الحرب العالمية الثانية، وضعت الحلفاء مؤسسات دولية جديدة لحماية الأمن والسلام، لكن مع اختفاء الحرب الباردة، بدأت هذه المبادئ تتزعزع، كما أدى السأم من دور أمريكا ك"شرطي العالم" إلى مناقشات حول سياسة انعزالية في ظل قيادة دونالد ترامب، ورغم ذلك، الانسحاب من حلف شمال الأطلسي والتصعيد مع الصين قد لا يساهم في تعزيز الأمن الأمريكي أو العالمي، في الوقت نفسه، يتصاعد خطر تآكل النظام الدولي بفضل الحركات القومية في أوروبا، ما يهدد استقرار التحالفات الغربية. ◄تحديات جديدة إلى جانب الانعزالية، يتزايد القلق من تصرفات القادة مثل زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تزويد روسيا بقوات كورية شمالية إلى التهديدات النووية، تزداد المخاطر مع وجود قادة يتخذون قرارات غير متوقعة. ومع اقتراب تنصيب دونالد ترامب في 20 يناير الجاري، يبدو أنه من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير الرئيس الأمريكي المنتخب، في تصعيد أو تهدئة هذه التوترات، ليضيف بعدًا جديدًا حول كيفية تعامل العالم مع مثل هذه التوترات الكبرى.