«العالم على أعتاب حرب تجارية طاحنة» هكذا تنبأ موريس أوبستفيلد، كبير خبراء الاقتصاد السابق بصندوق النقد الدولي، والذى بنى توقعاته على الخطط التى أعلنها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية فور توليه الرئاسة وفرض تعريفات تصل 10% على الواردات العالمية و60% على السلع الصينية، ورسوم إضافية بنسبة 25% على واردات كنداوالمكسيك، حتى لو اضطر لإعلان حالة طوارئ اقتصادية وطنية لتسهيل تنفيذ هذه الخطط. وقد سبق لترامب الذى يصف نفسه «برجل التعريفات الجمركية»، باستخدام كارت التعريفات الجمركية خلال ولايته الأولى كوسيلة للضغط على المنافسين والتأثير على سياسات الدول الأخرى، وكإجراء لتعزيز الاقتصاد المحلى والحد من العجز التجارى الأمريكي. اقرأ أيضًا | البيت الأبيض يستقبله من جديد بعد 48 ساعة ..عودة ترامب وفرضت إدارته رسومًا جمركية على واردات الألواح الشمسية والغسالات (30-50٪) والصلب (25٪) والألمنيوم (10٪) من مختلف الدول، وعلى معظم السلع الصينية، ما أثر على تجارة تزيد قيمتها على 380 مليار دولار أمريكى فى ذلك الوقت. فى ضوء هذا، من المرجح فرض زيادات تعريفات جمركية قاسية ضد الصين التى تعتبرها واشنطن «منافسًا استراتيجيًا»، وأن يستغل ترامب التعريفات الجمركية لمساومة المنافسين على التفاوض حول اتفاقيات التجارة القائمة أو الجديدة بشروط أكثر ملاءمة للسوق الأمريكى، وهو ما سبق وفعله بولايته الأولى فى اتفاقية الولاياتالمتحدةوالمكسيكوكندا («USMCA»)، كما سيستخدم ترامب التعريفات الجمركية كتكتيك قسرى فى مجموعة من القضايا السياسية، مثلًا التهديد بفرض تعريفات 25٪ على جميع السلع من المكسيكوكندا يستهدف بالتحديد وقف «الهجرة غير الشرعية والإتجار بالمخدرات». فى المقابل قد تتخذ الدول المتضررة إجراءات للرد، من بينها الطعن فى هذه التدابير أمام هيئة تسوية المنازعات، ولكن افتقار آلية تسوية المنازعات بمنظمة التجارة العالمية لهيئة استئناف عاملة بسبب الحصار الأمريكى لإعادة تعيين القضاة، وكون أمريكا ليست عضوًا بهيئة التحكيم المؤقت متعدد الأطراف («MPIA»)، يفقد هذا النهج فاعليته، لذا سيكون الخيار الثانى لجوء الدول المتضررة لتدابير انتقامية أحادية، كما فعل الاتحاد الأوروبى عام 2018 عندما فرض ترامب تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم ليرد الاتحاد بتعريفات مقابلة، وكما فعلت كنداوالمكسيك وتركيا والهند وروسيا وكذلك الصين، باعتبارها واحدةً من أكثر المتضررين، بفرض تعريفات جمركية انتقامية ضخمة، هذه الموجة من التدابير الانتقامية ستؤدى لحرب تجارية عالمية شاملة، علاوة على ذلك، قد تواجه أسواق الاستيراد الرئيسية ضغوطًا بسبب تحويل التجارة، وهذه النتيجة سيكون لها تأثير ضار على الاستقرار العام للأسواق العالمية وعلى المستوى الاقتصادى الكلي، حيث يتوقع الخبراء انخفاض الناتج المحلى الإجمالى فى جميع البلدان والمناطق المتضررة، وتشير دراسة حديثة أجرتها كلية لندن للاقتصاد، إلى أن التعريفات الجمركية التى اقترحها الرئيس المُنتخب ترامب قد تؤدى لخفض الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى بنسبة 0.64%، والصينى بنسبة 0.68%، والبريطانى بنسبة 0.14%، فى حين سيُواجه الاتحاد الأوروبى خفضًا بنسبة 0.11%، وستكون ألمانيا الأكثر تضررًا بخسارة بنسبة 0.23%. وإذا ما ردت الصين بزيادة تعريفاتها الجمركية على الواردات الأمريكية بنسبة 40 نقطة مئوية، سينخفض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة 0.56% عام 2025، ليصل إلى 1.08% بحلول 2028. السيناريو الأقل تشاؤما، أن تدخل الدول المتضررة فى اتفاقيات تجارية ثنائية/ متعددة الأطراف للالتفاف على تعريفات ترامب والحد من التأثير السلبى على الاقتصاد العالمي، أو تلجأ للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وبشكل عام، هذه البيئة ستؤدى لزيادة كبيرة فى التكاليف بالنسبة لشركات التصنيع على طول سلاسل التوريد وانخفاض الاستثمارات بسبب بيئة السوق غير المؤكدة، ما يؤدى لخفض الفوائد المستمدة من التجارة الدولية، وكما يقول أوبستفيلد: «إدخال هذه التعريفات الجمركية فى عالم يعتمد بشكل كبير على التجارة يضر النمو، وقد يدفع العالم للركود».