الدار التى أقصدها هى دارنا التى عشنا فيها وتحتضن أجمل ذكرياتنا وسهراتنا وحواديت أيامنا. فى أول زيارة لى إلى دولة أوروبية منذ سنوات ليست بعيدة اضطررت رغما عنى أن أخلع ملابسى فى المطار حتى حذائى وحزام البنطلون خلعته لكى أمر من بوابات الدخول .. كنت متأذيا جدا مما فعلوه معى ولم يمتص غضبى إلا رفاق الرحلة الذين فعلوا نفس الشئ لكى يعبروا مثلى ولو كان الأمر بيدى لعدت فورا إلى مصر .. كنت فى هذا الوقت قد سافرت مرات عديدة إلى عدد من دولنا العربية فى الخليج والشمال المغربى فلم تكن هذه هى المرة الأولى لى فى السفر للخارج ولم يكن يوقفنى أحد فى أى مرة أو يطلب منى خلع ملابسى مثلما حدث لى فى مطار هذه الدولة الأوروبية .. كانت حجتهم أننى قادم من الشرق الأوسط وربما أكون حاملا لسلاح أو متفجرات فهم يخشون من الإرهاب والإرهابيين . شعرت بتناقض كبير وحيرة شديدة لأن هؤلاء الأوروبيين هم من يستضيف الإرهابيين على أرضهم ويوفرون لهم المأوى والإقامة والعمل ضد دولهم وعدد كبير منهم من الشرق الأوسط .. بحكم مهنتى فأنا على دراية بهذه الأحداث وأعلم أنهم اكتووا بنار الإرهاب على أرضهم فى عمليات تفجير واغتيالات وكانوا يرفضون تسليم هؤلاء الإرهابيين لدولهم التى حاكمتهم فى محاكم عادلة وثبتت عليهم تهم بالإرهاب . لن تنعم أوروبا بالراحة أبدا وعلى أرضها يتمتع الإرهابيون بالحماية وستصحو يوما على فاجعة بسببهم ! من المطار حتى فندق الإقامة يتداعى أمامى شريط ما حدث وأنا أكتم غيظى .. إذا كنتم تخافون من الإرهابيين فلماذا تسمحون لهم بالعيش على أراضيكم تحت دعاوى الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وتتخذون هذه الإجراءات اللإنسانية مع القادمين إليكم رغم علمكم أننى برئ من الإرهاب كبراءة الذئب من دم سيدنا يوسف . لفت نظرى خلال الزيارة التى امتدت لنحو 12 يوما أن الكثير من أهل هذه الدولة يصطحبون الكلاب معهم فى مشاويرهم وقبل حلول الليل بقليل كنت أرى أشخاصا كثيرين يتريضون مع كلابهم على النهر الذى كان فندقى يقع بالقرب منه . كان المشهد لافتا للنظر ويتكرر طوال اليوم فقد رأيت كلبا صغيرا يسير خلف صاحبته التى تركته يعبر الطريق بمفرده وكيف توقفت السيارات فى كل الاتجاهات حتى عبر الشارع فى إحدى المناطق التجارية بعاصمة الدولة الأوروبية .. المشهد أثار إعجابى جدا وأيقنت أن الأوروبيين كمواطنين يهتمون بالحيوان . استدعيت الحس الصحفى وقررت أن أخوض تجربة البحث عن سؤالى .. لماذا يهتمون بالحيوانات ومنهم الكلاب بالطبع .. صادفت فى طريقى سوبر ماركت كبير دلفت إليه واسترعى اهتمامى قسم كبير لبيع السلع الغذائية للكلاب والقطط فأخرجت كاميرتى الديجتال وشرعت فى التقاط صورة للفاترينات الضخمة وليتنى ما فعلت .. فوجئت بسيدة بدينة تصرخ فى وجهى وتردد كلاما غريبا فتوقفت وحاولت التواصل معها بالإنجليزية فلم تتوقف عن الصراخ لأنها لا تتحدثها واكتمل المسلسل بتواجد ضابط وجندى من الشرطة يطلبان منى مسح الصور والخروج برفقتهما ولم ينقذنى سوى شخص عربى كان يمر بالصدفة وأفهمنى أنهما لا يتحدثان الإنجليزية وأن السيدة مديرة المحل اعتقدت أننى إرهابى من خلال ملامحى العربية . تفهم الشرطيان الموقف وعلما أننى صحفى مصرى واعتذرت لى السيدة وأصرت أن تقدم لى قالبا من الشيكولاته الغامقة وأنها تخشى من حوادث الإرهاب التى تسمع عنها فى بلدها وأنها تعتقد أن ذوى الملامح العربية إرهابيون ! تذكرت تلك الرحلة وأنا أتابع حادث الدهس الذى وقع قبل أيام فى إحدى المدن الألمانية وراح ضحيته عدد من الأشخاص وعدد كبير من المصابين كانوا يشترون هدايا عيد الميلاد وأن مرتكب الحادث طبيب سعودى يقيم فى ألمانيا منذ 12 عاما وسبق أن حذرت السعودية السلطات الألمانيه منه ولم تستجب لها. بيت العز يا بيتنا الدار التى أقصدها هى دارنا التى عشنا فيها وتحتضن أجمل ذكرياتنا وسهراتنا وحواديت أيامنا .. الدار التى كانت تشع فرحا وبهجة حينما يلتئم جمعنا الكبار والصغار وعتباتها التى كانت شاهدا على روعة الأيام .. كلما أصغيت إلى نداء ذكريات تلك الأيام الخوالى أتذكر فايزة أحمد وهى تشدو بأغنيتها الجميلة (بيت العز) التى كتبها رائد الرومانسية فى الغناء مرسى جميل عزيز ولحنها الموسيقار الكبير محمد الموجى «أبو أمين» . بيت العز يا بيتنا، على بابك عنبتنا .. لها خضرا وضليلة بترفرف على العيلة .. وتضلل يا حليلة، يا حليلة من أول عتبتنا. يا بيت العز يا بيت السعد يا بيت الفرح يا بيتنا .. بيت العز يا بتنا، فى حيطانك جنينتنا ..بمحبة زرعناها، بمحبة سقيناها وكبرنا وياها يا حليلة واحلوت فاكهتنا .. يا بيت العز يا بيت السعد يا بيت الفرح يا بيتنا .. الله، الله على عشرتنا وعلى لمتنا حوالين بعضينا .. الله، الله على أيامنا وعلى أحلامنا وحكايات ليالينا .. اللقمة الحلوة تجمعنا وتشبعنا وتكفينا .. والكلمة الحلوة تجمعنا وتصبحنا وتمسينا . هذه الأغنية الرائعة المعبرة عن حال بيتنا وكل جيراننا عمرها الآن 64 سنة ولسة عايشة جوانا نشتاق إليها ونشعر بالحنين إلى تلك الأيام .. نتذكر الأحباب الذين رحلوا عنا وتركونا ودموعنا تسبقنا ندعو لهم بالرحمة والمغفرة والجنة ونعيمها .. سنوات طويلة مرت علينا والأحباب لا يغيبون عنا فالدار العامرة بالناس والود والحب أضحت خاوية حتى الشجرة القابعة خلف البيت شاخت وذبلت وتساقطت أوراقها فلم يعد أحد يسأل عنها أو يداعبها أو يجلس تحت ظلها. نقف أمام الدار نتأمل بابها الضخم الذى كان يصدر صوتا مميزا كلما دخل إليه أحد أو خرج .. كنا ننزعج منه ونحن صغار واليوم نشتاق إلى صوت المزلاج لعلنا نستعيد تلك الأيام المحفورة فى قلوبنا .. راحوا فين حبايب الدار الدخول إلى تلك الدار التى بقيت على حالها صعب على النفس .. بدون مبالغة أو رتوش يقفز الدمع من عينى كلما سمعت المطرب الأصيل وديع الصافى وهو يرثى حالنا فى «راحوا فين حبايب الدار» وأسأل نفسى كيف خرجت هذه التحفة الفنية من أيدى المؤلف العظيم حسين السيد والعبقرى بليغ حمدى وأصبحت من علامات وديع والطرب العربى . دار يا دار يا دار .. يا دار قوليلى يا دار .. راحوا فين حبايب الدار؟ فين؟ فين؟ فين؟ فين؟ قولى يا دار .لياليكى كانت نور.. يسبح فى ضيه بحور .صرخة صدى مهجور مرسوم فى كل جدار. راحوا فين حبايب الدار؟ فين؟ فين؟ فين؟ فين؟ قولى يا دار. دارى الدمع يا عين .. دارى دارى دارى .. ما تزّوديش الغيم . راحوا فين حبايب الدار .. فين فين . يا ترى هل سيفعل أولادنا مثلما نتذكر الآن تلك الدار .. وهل سيشعرون بالحنين إلى الماضى .. وهل هم مصابون ب «نوستالجيا » الأماكن مثلنا ؟.. عن نفسى عندى شك . الأعلى للإعلام .. شكرا شكرا للمهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على قراراته الأخيرة لضبط المشهد الإعلامى ومواجهة فوضى الفضائيات والتجرؤ على الدين .. نلمس جهدا كبيرا وحركة سريعة ونشيطة خلال تلك الفترة القصيرة التى تولى فيها الرجل منصبه .. القرارات الخاصة بإذاعة القرآن الكريم رائعة ومنع الإعلانات فيها « صدقة جارية» لصاحب القرار الإعلامى أحمد المسلمانى ومنع الاتصالات الهاتفية قرار صائب للقضاء على فوضى الفتاوى والخوض فى أمور تمس العقيدة. أعتقد أننا ما زلنا فى حاجة ملحة لضبط البث على القنوات الفضائية التى تبيع «الهواء» فى زجاجات للمشاهدين .