تخيل أن قلبك يحتوى على «باب» متطور يفتح ويغلق بتناغم لضمان تدفق الدم بسلاسة. هذا الباب، هو الصمامات القلبية، قد يتعرض للتلف مثل أى جزء آخر من الجسم، مما يتطلب استبداله أحيانا. الحلول المتاحة حاليا تشمل زرع صمامات صناعية أو حيوية، غالبا من الأبقار، لكن هذه الصمامات ليست حلا دائما ، وتتطلب فى كثير من الأحيان جراحات متكررة لاستبدالها، خاصة عند الأطفال الذين يحتاجون إلى صمامات تتكيف مع نموهم أو عند حدوث مضاعفات تتعلق بنوعية الصمام المزروع. ولعقود، كان العلماء يسعون لحل هذه المشكلة من خلال تطوير صمامات قلبية قادرة على النمو والتكيف مع الجسم بشكل طبيعى، لتصبح جزءا منه بمرور الوقت، ورغم المحاولات العديدة، لم يكتب لهذه الجهود النجاح حتى وقت قريب، عندما أعلن جراح القلب المصرى البارز مجدى يعقوب فى مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز بيولوجى» عن نجاح تجاربه الحيوانية، حيث دور صمامات قلبية قادرة على التكيف والنمو باستخدام تقنية متقدمة فى «هندسة الأنسجة». وهندسة الأنسجة مجال علمى يستخدم تقنيات متعددة لتطوير أنسجة وأعضاء بديلة لعلاج الأمراض أو لإصلاح الأنسجة التالفة، وتعتمد هذه التقنيات على استخدام مواد متوافقة حيويا مع الجسم، وغالبا ما تكون قابلة للتحلل، وذلك لتوجيه نمو الخلايا وإنشاء أنسجة جديدة. اقرأ أيضًا| أحمد السبكي: الابتكار هو أساس تطوير المنظومة الصحية في مصر والتقنية التى استخدمها فريق د. يعقوب تعتمد على زرع صمامات مؤقتة مصنوعة من مواد قابلة للتحلل الحيوى، لتعمل هذه المواد كإطار مؤقت أو «قالب فارغ»، يجذب خلايا الجسم المحيطة لإعادة بناء الصمام بشكل طبيعى من الداخل، وبمرور الوقت، تتحلل المواد المستخدمة، تاركة وراءها صماما حيا ينمو ويتكيف مع الجسم. مراحل الابتكار ويعتمد هذا الابتكار على ثلاث مراحل أساسية، تبدأ بزرع الصمام المؤقت المصنوع من ألياف دقيقة، التى تعمل كإطار يجذب الخلايا إلى المنطقة المستهدفة، ثم تندمج هذه الألياف مع خلايا الجسم، مما يسهم فى بناء نسيج حى يعيد تشكيل الصمام بشكل طبيعى، ويبدأ الإطار المؤقت فى التحلل تدريجيا، مما يتيح للصمام الجديد التكيف والنمو مع الجسم. ويقول الدكتور إبراهيم الشربينى، المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل، إن هذه الطريقة ليست الوحيدة المستخدمة فى هندسة الأنسجة، لكنها تمتاز بتكلفتها المنخفضة مقارنة بغيرها. ويوضح أن هناك طريقتين مستخدمتين، الأولى تعتمد على زراعة خلايا مأخوذة من المريض على هيكل ثلاثى الأبعاد مصنوع من مواد متوافقة حيويا، حيث يُزرع هذا النسيج لاحقًا فى جسم المريض لإصلاح الأنسجة التالفة، أما الطريقة الثانية، التى استخدمها فريق يعقوب، فتعتمد على زرع إطار مؤقت قابل للتحلل مباشرة فى الجسم، حيث يعمل هذا الإطار على توجيه نمو الخلايا فى الموقع المستهدف. ويؤكد د. الشربينى على أن هذه الطريقة تمتاز بتوفير بيئة طبيعية لنمو الأنسجة، مما يؤدى إلى تكامل أفضل مع الأنسجة المحيطة وتقليل الحاجة إلى الجراحات المتكررة، كما أنها تعتمد على خلايا الجسم الذاتية، مما يقلل من احتمالية رفض الجسم للنسيج المزروع ويحد من الحاجة إلى استخدام الأدوية المثبطة للمناعة. نتائج التجارب وأظهرت التجارب الحيوانية الأولية أن الصمام الجديد يعمل بكفاءة ويعِد بتقديم حل جذرى خاصة للأطفال الذين يعانون من عيوب خلقية فى القلب، وبفضل هذا الابتكار، لن يحتاج الأطفال إلى استبدال صمامات القلب مع كل مرحلة نمو. وأشار د. مجدى يعقوب إلى أن هذا الابتكار سيُحدث ثورة فى جراحة القلب، حيث يُقلل عدد العمليات الجراحية المتكررة ويحسّن حياة المرضى، ومن المقرر بدء التجارب السريرية بمشاركة ما بين 50 إلى 100 مريض، بما فى ذلك أطفال، لتقييم فعالية هذه الصمامات مقارنة بالصمامات التقليدية. وإذا أثبتت هذه التقنية نجاحها، فقد تمثل ثورة حقيقية فى جراحة صمامات القلب، كما أشادت بها مؤسسة القلب البريطانية، حيث ستحسن حياة المرضى وتمكنهم من العيش بشكل صحى دون الحاجة إلى جراحات متكررة .