في خطوة تاريخية على المسرح السياسي اللبناني، كُلف القاضي نواف سلام بتشكيل أول حكومة في عهد الرئيس جوزيف عون، بعد شغور رئاسي استمر لأكثر من عامين، إذ حصل سلام على ثقة سبعين نائباً في الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في قصر بعبدا، ليتولى مهمة قيادة البلاد في واحدة من أصعب المراحل التي يمر بها لبنان، في حين يأتي هذا التكليف في وقت يواجه فيه لبنان تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، مما يجعل مهمة سلام أكثر إلحاحاً وأهمية. إرث عائلي وتكوين أكاديمي ينحدر نواف سلام، المولود في بيروت عام 1953، من عائلة سياسية بيروتية عريقة تركت بصمتها العميقة على تاريخ لبنان المعاصر، إذ أن جده لأبيه "أبو علي" سليم علي سلام كان من أبرز زعماء بيروت في مطلع القرن العشرين، وشغل منصب نائب في البرلمان العثماني، كما تولى رئاسة بلدية بيروت عام 1908. أما والده عبد الله سلام، فكان رجل أعمال بارزاً وأحد مؤسسي شركة طيران الشرق الأوسط، في حين شغل عمه صائب سلام منصب رئيس الوزراء أربع مرات بين عامي 1952 و1973. حصل سلام على تعليم أكاديمي رفيع المستوى، حيث نال دكتوراه في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس، ودكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون، وماجستير في القوانين من جامعة هارفارد. هذا التكوين الأكاديمي المتميز انعكس في مسيرته المهنية المتنوعة، حيث جمع بين المحاماة والتدريس الجامعي والعمل الدبلوماسي. المسار الدبلوماسي والقضائي امتدت المسيرة الدبلوماسية لنواف سلام على مدى عقد كامل، إذ شغل منصب سفير لبنان لدى الأممالمتحدة بين عامي 2007 و2017. خلال هذه الفترة، مثّل لبنان في مجلس الأمن الدولي، وترأس أعمال المجلس في شهري مايو 2010 وسبتمبر 2011. وفي فبراير 2024، توج مسيرته القانونية بانتخابه رئيساً لمحكمة العدل الدولية، في إنجاز قضائي مهم أثار اهتماماً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي. نواف سلام خلال تولي منصب سفير لبنان لدى الأممالمتحدة بين عامي 2007 و2017 المواقف السياسية والرؤية الإصلاحية عُرف سلام بمواقفه الواضحة والصريحة تجاه القضايا الإقليمية، وخاصة دعمه للقضية الفلسطينية، مما أثار قلق إسرائيل عند توليه رئاسة محكمة العدل الدولية. برز اسمه بقوة خلال الانتفاضة الشعبية عام 2019 كمرشح تسوية تكنوقراط، لكن المعارضة السياسية حالت دون وصوله إلى رئاسة الحكومة آنذاك. في رؤيته للمرحلة المقبلة، يؤكد سلام على ضرورة إنقاذ لبنان من محنته الراهنة من خلال تغيير جذري في مقاربة الأزمة، كما يركز برنامجه على الإصلاح المالي والسياسي، ومكافحة المحاصصة، وتحقيق استقلالية القضاء. كما يشدد على أهمية تحصين مؤسسات الدولة ضد آفات الطائفية والمحسوبية، مع التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق والحريات العامة. الإسهامات الفكرية والأكاديمية يتميز نواف سلام بإسهاماته الفكرية والأكاديمية المهمة، حيث صدر له عدد من المؤلفات في مجالات السياسة والتاريخ والقانون. يعد كتابه "لبنان بين الأمس والغد" الصادر عام 2021 من أحدث إسهاماته الفكرية. عمل أستاذاً محاضراً في التاريخ المعاصر في جامعة السوربون، كما درّس العلاقات الدولية والقانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث ترأس دائرة العلوم السياسية والإدارة العامة فيها بين عامي 2005 و2007. تحديات المرحلة المقبلة يواجه سلام في مهمته الجديدة تحديات جسيمة، أبرزها تشكيل حكومة قادرة على التعامل مع الأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان، إذ تتمثل أهم هذه التحديات في إعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتحقيق التوازن بين مختلف القوى السياسية اللبنانية. كما يتعين عليه العمل على تنفيذ برنامج إصلاحي شامل يستجيب لتطلعات الشعب اللبناني ويضع البلاد على مسار التعافي والاستقرار.