وسط ظلال من الهدوء الحذر في إنجامينا، وفي ساعة تعجّ فيها المدينة بالهدوء والترقب، اخترقت أصوات الرصاص سكون العاصمة التشادية لتعلن عن فجر جديد من التحديات، في معركة خاطفة تاركةً وراءها أسئلة ملحة حول الأسباب، التداعيات، والمستقبل المجهول لبلد يواجه رياح التغيير في كل زاوية من زواياه. القصر الرئاسي، رمز القوة والمهابة، تحول إلى ساحة مواجهة شرسة بين الحرس الرئاسي وكوماندوز مسلح تحدى مهابة المكان، وفيما كانت أعين العالم متجهة إلى تشاد عقب زيارة دبلوماسية رفيعة المستوى، جاء الهجوم كصاعقة تكشف عن هشاشة المشهد الأمني والسياسي في البلاد. تفاصيل الهجوم ذكرت صحيفة "لو فيجارو" أن مجموعة مسلحة، يُعتقد أنها تنتمي إلى جماعة بوكو حرام، اقتحمت القصر الرئاسي في نجامينا في محاولة واضحة لزعزعة الاستقرار، وبحسب مصادر أمنية، بدأ الهجوم مساء الأربعاء، واستمر إطلاق النار الكثيف لمدة ساعة تقريبًا، قبل أن تعلن الحكومة استعادة السيطرة الكاملة على الوضع. أعلن وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، في مقطع فيديو نُشر على فيسبوك: "الوضع تحت السيطرة تمامًا، تم القضاء على هذه المحاولة لزعزعة الاستقرار برمتها"، وأضاف الوزير، الذي ظهر مسلحًا ومحاطًا بجنود القصر الرئاسي، أن الهدف من رسالته هو طمأنة السكان. خلفيات الهجوم تشير تقارير أمنية إلى أن المهاجمين ينتمون إلى جماعة بوكو حرام الجهادية، التي تشن عملياتها المسلحة من منطقة بحيرة تشاد المتاخمة للكاميرون ونيجيريا والنيجر. الجماعة التي تُعرف بنشاطها العنيف في المنطقة، كانت قد استهدفت مؤخرًا قاعدة عسكرية تشادية، مما أسفر عن مقتل 15 ضابطًا، وردًا على ذلك، أطلق الرئيس التشادي حملة عسكرية بعنوان "الحسكنية" في نوفمبر الماضي. توقيت حساس الهجوم وقع بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى العاصمة إنجامينا، حيث التقى القادة التشاديين، بمن فيهم الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، إذ أثار توقيت الهجوم تساؤلات حول وجود صلة محتملة بين الزيارة وتصعيد الهجمات. في أعقاب الهجوم، أغلقت السلطات جميع الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي، وتم نشر دبابات وعناصر من الشرطة المسلحة في شوارع العاصمة، وسارع سكان الأحياء القريبة من الرئاسة إلى مغادرة المناطق المتأثرة، في مشهد يعكس القلق العام من تصاعد التوترات الأمنية. انتهاء الاتفاق العسكري مع فرنسا في نوفمبر الماضي، أعلنت تشاد بشكل مفاجئ إنهاء اتفاقها العسكري مع فرنسا، الذي استمر لعقود منذ الاستقلال، ووفقًا للرئيس ديبي، فإن هذه الاتفاقيات أصبحت "عفا عليها الزمن"، ولم تعد تتماشى مع الحقائق الجيوسياسية الحالية. وشهدت منطقة بحيرة تشاد، التي تُعد مركزًا لنشاط جماعة بوكو حرام، تصاعدًا في الهجمات خلال السنوات الأخيرة، وأُنشئت القوة المختلطة المتعددة الجنسيات، التي تضم تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، لتأمين المنطقة، لكنها تعرضت لانتقادات لعدم فعاليتها في التصدي للتهديدات. تهديدات بالانسحاب وهدد الرئيس التشادي عدة مرات بمغادرة هذه القوة، مندّدًا بما وصفه بسلبية حلفائه الإقليميين. ويرى محللون أن هذا التوجه قد يُضعف جهود مكافحة الجهاديين، ويفتح المجال لتصعيد أكبر في الهجمات. تشاد، التي شهدت انتقالًا سياسيًا حساسًا بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي في 2021، تواجه تحديات متزايدة في تحقيق الاستقرار الداخلي، إذ أثار انتخاب محمد إدريس ديبي رئيسًا بعد فترة انتقالية جدلًا واسعًا، وسط ضغوط داخلية وخارجية لإصلاح النظام السياسي.