سيسود الموبايل كوسيط والتفاعلية بين الصحفيين والجمهور، إضافة إلى التشاركية فى إنتاج المحتوى فى ظل الثورات التكنولوجية المتلاحقة وانتشار الذكاء الاصطناعى ستتغير المهن والوظائف، ومن المتوقع أن يصبح المهنيون مثل الأطباء والمهندسين والمحامين والصحفيين وغيرهم.. متعلمين مدى الحياة حتى يستطيعوا مواكبة التطورات والمعارف والمهارات الجديدة التى تفرضها التكنولوجيا كل يوم. كما ستتطور بالضرورة متطلبات تعليم هذه المهمن، ولنأخذ فى هذا المقال، تعليم الصحافة فى السنوات الخمس القادمة، لأنى لا أستطيع الحديث مثلًا عن 10 سنوات، فكل يوم هناك جديد. وأقصد هنا كل أشكال الصحافة وليس الصحافة الورقية فقط - التى تهدف إلى تزويد الجمهور بالأخبار والصور والفيديوهات والرسوم ونشر الآراء وتقديم أنواع متعددة من الترفيه المخصص لكل فرد من أفراد الجمهور. وهذه الصحافة ستندمج فى منصات رقمية مرئية ومسموعة ومقروءة، مما يغير أو ربما ينهى التليفزيون بشكله الحالى. سيسود الموبايل كوسيط وستسود التفاعلية بين الصحفيين والجمهور، إضافة إلى التشاركية فى إنتاج المحتوى، أى أن الصحفى لن يصبح صانع المحتوى الوحيد، وإنما سيشاركه الجمهور، والربوتات أيضًا فى مزيج ثلاثى محير ومربك، حيث ستصبح تقنيات الواقع الافتراضى والمعزز والتجارب الغامرة أدوات أساسية فى إنتاج المحتوى الصحفى، وبالتالى ستبرز مهمة التمييز بين الواقعى والافتراضى، من هنا لابد من تعليم طلبة الصحافة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى وتقنيات التجارب الغامرة، وتحليل البيانات الضخمة، والتعامل المهنى الأخلاقى مع الخوارزميات، وتعلم كيفية التحقق من صحة الأخبار والكشف عن المزيف والحقيقى والافتراضى، كما سيتعلم الطلبة كيفية تحليل اتجاهات الجمهور، والتعامل مع المؤثرين، ومعارف ومهارات الصحافة المحمولة أو المتنقلة المعتمدة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ومهارات التصوير والمونتاج، وصحافة الحلول أو الصحافة البناءة التى تركز على تقديم البدائل وطرح الحلول أكثر من المعارضة والنقد، علاوة على مهارات التسويق الرقمى والإبداع فى إطلاق العلامات التجارية وترويجها. يجب أن يتعلم الطلبة وشباب الصحفيين كتابة محتوى متعدد الوسائط ومختصر، يمكن نشره عبر وسائط متعددة، وبحيث يتلاءم مع محركات البحث (SEO) لضمان وصول أوسع للجمهور الرقمى، مع مراعاة تحسين المحتوى موجه للجمهور الرقمى، كما ينبغى تعليم الطلبة كيفية إطلاق مشاريع إعلامية خاصة وإدارة منصات إعلامية مستقلة. لكن لابد من إثارة ثلاث ملاحظات: 1- أن هذه المهارات الجديدة لا يمكن أن يكتسبها الطلبة بدون تعلم المهارات التقليدية الأساسية فى العمل الصحفى مثل طرق وأساليب جمع الأخبار وكتابتها، والقواعد المهنية والأخلاقية للصحافة كالدقة والتوازن والاستقلال، وطرق السرد والتحقيق وإدارة الحوار. 2- أن المهارات الجديدة تتطلب نظمًا تعليمية جديدة وأساتذة ومتدربين يمتلكون هذه المهارات ومارسوها فى أرض الواقع، ما يعنى دمج الخبراء فى صفوف أساتذة الصحافة والإعلام، والتحول نحو التعلم المدمج والتعلم عن بعد، والتعلم القائم على المشاريع الفردية والجماعية Project-Based Learning واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى وتقنيات الواقع الافتراضى لإنشاء بيئات تعليمية وتدريبية تفاعلية تحاكى الواقع، مما يساعد الطلبة على اكتساب الخبرة العملية بشكل أفضل. 3- ترى دراسة هولندية أن التخصص هو الخيار الوحيد أمام تطوير إمكانيات تعليم الصحفيين فى السنوات القادمة، فالعالم صار أكثر تنوعًا وتعقيدًا، وبالتالى على الصحفى الطموح تحديد مساره الخاص بالتشاور مع أساتذته، مع التكيف مع التكنولوجيا الجديدة واستخدامها فى كافة مراحل عمله الصحفى، مثل التفاعل مع الجمهور واستخراج النصوص والبحث فى ملفات نصية كبيرة والتعلم الآلى، مع توفير البيانات الصحيحة، وملاحظة ونقد عمل الخوارزميات باستمرار لأنها قد لا تخلو من تحيزات. فى هذا السياق أعتقد أنه من الممكن للصحفيين التخصص فى مجالات تدقيق الأخبار والمعلومات، أو أخلاقيات صحافة الذكاء الاصطناعى أو الصحافة الآلية، أو التجارب الغامرة أو صحافة البلوك تشين وغيرها. فى ضوء هذه المتطلبات وغيرها أعتقد أنه من المهم التفكير فى إعادة هيكلة أوضاع تعليم الصحافة والإعلام فى أغلب الجامعات والمؤسسات الإعلامية المصرية، وتقدير الاستثمارات المادية المطلوبة لتطوير المعامل والاستديوهات وإنشاء استديوهات افتراضية ذكية، وكذلك تطوير العناصر البشرية من خلال تنشيط برامج الابتعاث للخارج والتدريب الفعلى أو التدريب عن بعد فى مؤسسات إعلامية دولية، بحيث نضمن تعليم وتدريب الأجيال القادمة من الصحفيين بما يتلاءم مع احتياجات العصر، وأهمها التعليم المستمر المعتمد على تطوير المهارات الشخصية والتفكير والتحليل النقدى واستخدام التكنولوجيا.