احتمال أن يثير نتانياهو موضوع الحكومة العسكرية من أجل ممارسة ضغوط إضافية على حماس أثناء محاولات صياغة صفقة لوقف القتال فى غزة وتحرير عدد من المخطوفين مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، تظهر بطريقة مريبة ومثيرة للانتباه أحدث افتكاسات الاحتلال الصهيونى للرؤى حول اليوم التالى لنهاية الحرب فى غزة. من قبل تناولت الصحافة العبرية أطروحات مثل خطة جالانت والجيش الإسرائيلى لجلب آلاف من عناصر فتح إلى القطاع، بعد تدريبهم على يد الأمريكيين، من أجل السيطرة على القطاع. وقد تردد فى البداية أن أبو مازن أعطى الإذن، وأن القضية تطورت بمعرفة رئيس الوزراء الإسرائيلى، لكنه قرر بعد ذلك إيقافها مرة أخرى. اليوم تظهر أطروحة جديدة هى إقامة حكومة عسكرية إسرائيلية فى القطاع! نشأت هذه الأطروحة من اعتقاد الكثيرين فى إسرائيل أنه لا توجد فرصة أمام تل أبيب لأن تتمكن من تشكيل سيطرتها على القطاع. ويدور النقاش حول دور المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلى، فيرى البعض أن ثلاثية فتح، أو حماس، أو إسرائيل قابلة للتطبيق، فى حين أن هناك من التكنوقراط من يعتقدون أن فتح ليست خيارًا، وأن الخيار الآن هو بين حماس ونظام عسكرى إسرائيلى حقيقى، يمكن تغطيته بطريقة أو بأخرى بأفكار وهمية مثل استئجار شركات أمنية خاصة تكون مسئولة عن الغذاء. لكن هذه الفكرة فى رأى هؤلاء لن تساعد فى القضاء على حكم حماس (الذى له من التأثير ما هو أكثر من مجرد تأمين مجمعات توزيع الغذاء)، فى حين أن إسرائيل لن تعفى من المسئولية عن مصير الفلسطينيين فى القطاع، باعتبار أن إسرائيل هى القوة العسكرية الفعالة فى القطاع. فإذا كانت هناك مجاعة، أو وباء، أو عدم وجود نظام تعليمى. أو تراكم القمامة وعدم التخلص منها، أو الموت الجماعى للمدنيين لأى سبب كان، فسيتم إلقاء اللوم على إسرائيل، لذلك فإن من مصلحة إسرائيل إنشاء مركز حكومى آخر فى القطاع. وفى ظل الفرضية القائلة بأن قوة الحكومة العسكرية تتزايد فى القيادة الإسرائيلية، وإنها فقط هى التى ستحقق النصر والاستقرار، فلا مفر إذًا، فى رأى هذا الفريق، من وجود حكومة عسكرية إسرائيلية لزعزعة الأرض من تحت سيطرة حماس، حتى لو ظل نتانياهو يدعى رفضه لذلك، وأن كل الحلول الأخرى ما هى إلا محاولات متعرجة للهروب من الواقع! هذه الافتكاسة مثيرة للاهتمام بشكل خاص لأن السؤال الجوهرى التالى، يجب أن يكون عما سيحل بعد ذلك. تجدهم يجيبون: حكومة فلسطينية تعترف بإسرائيل! مع أن هناك واحدة بالفعل فى رام الله بينما أن العقيدة الراسخة فى دوائر تل أبيب هى أن السلطة الفلسطينية تحتاج إلى تغيير عميق، وأنه من المشكوك فيه أن تتحول غزة إلى مكان أكثر استقرارًا تحت حكمها. التقدير الراجح فى إسرائيل الآن هو احتمال أن يثير نتانياهو موضوع الحكومة العسكرية من أجل ممارسة ضغوط إضافية على حماس، تمهيدًا لاستئناف المفاوضات بشأن صفقة الرهائن. هذه الصفقة التى يحظى إطارها الذى تسعى إليه تل أبيب حاليًا بانتقادات عديدة، إذ من شأنه أن يحرر فقط ما يقرب من ثلث الأسرى البالغ عددهم مائة خلال وقف إطلاق نار مؤقت. بينما يرى أهالى المخطوفين أن الإنجاز الأعظم فى الحرب لن يتم إلا عندما يجلس هؤلاء المخطوفون جميعًا فى بيوتهم. وبينما تسعى إسرائيل إلى زيادة عدد الأسرى الأحياء الذين سيتم إطلاق سراحهم كجزء من الصفقة، تسعى حماس إلى الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الأسرى، طالما تخطط إسرائيل لاستئناف القتال بمجرد انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت. وسط هذا السجال تطل فكرة الحكومة العسكرية الإسرائيلية كفرضية محتملة.