■ كتب: عامر تمام بعد فترة من التردد، سعت الصين خلال السنوات الأخيرة إلى توسيع تواجدها الشرق الأوسط، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية في مختلف الدول في المنطقة، لاسيما إيران التي تجمعها مع الصين مصالح اقتصادية، ومخاوف مشتركة من التحركات العدائية الأمريكية التي من المتوقع أن تتزايد خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. تدرك بكين أهمية المنطقة بالنسبة لها خاصة على الصعيد الاقتصادى، بالإضافة إلى ما تمثله من أهمية فى مشروع الرئيس شى جين بينغ للوصول بالصين لقوة عالمية تنافس الولاياتالمتحدة بل وتهدد وجودها كقوة عالمية مهيمنة. رغم محاولة قادة الحزب الشيوعى الموازنة فى العلاقات مع دول المنطقة ومراعاة التنافس الإقليمى، لا يخفى على أحد اهتمام الصين بعلاقاتها مع إيران وهذا ما بدا جلياً من خلال الاتفاقات التى تم توقيعها مع طهران خلال السنوات الماضية، لاسيما اتفاق الشراكة الاستراتيجية 25 عامًا وما يمثله هذا الاتفاق من نقلة نوعية فى علاقات البلدين. وحرصًا منها على علاقاتها مع الدول العربية وخوفًا من تأثرها بالتقارب مع إيران سعت الصين أيضًا لتوطيد علاقاتها العربية، ونجحت فى إنهاء الخلافات بين المملكة العربية السعودية وإيران. لكن أهمية إيران بالنسبة للصين أنها لا تملك مساحة للمناورة فى علاقاتها الدولية كما هو الحال بالنسبة للدول العربية التى تحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف، حيث يجمع طهرانوبكين العداء للولايات المتحدة والتوتر مع الغرب، كما أن كلا الطرفين يعانى من عقوبات أمريكية وتحركات تهدد أمنه القومى. هنا نلاحظ، كلما زاد الضغط الأمريكي على الطرفين أو أى منهما، كلما زاد التقارب وأصبح أوثق، وهذا ما حدث خلال الأيام الماضية، حيث تخشى الدولتان تداعيات وصول ترامب للسلطة، وبدأ كل طرف التحرك للاستعداد للتداعيات المحتملة سواء على الصعيد الاقتصادى أو الأمنى والسياسى. لم تكن الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى إلى الصين ببعيدة عن التنسيق المشترك لمواجهة سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، وتأكيد الطرفين على ضرورة النأي بالشرق الأوسط عن الصراعات وتصفية الحسابات الدولية، والتأكيد أيضًا على ضرورة احترام سيادة دول المنطقة وأمنها واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها. وتعد هذه أول زيارة يقوم بها عراقجى إلى بكين منذ تعيينه وزيراً لخارجية إيران فى أغسطس الماضى، وذلك تلبية لدعوة نظيره الصينى. وتأتي في أعقاب استيلاء جماعة هيئة تحرير الشام على السلطة فى سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد الحليف المقرب لإيران والمدعوم من الصين وروسيا، هذا بالإضافة إلى التطورات الأخيرة والخسائر التى لحقت بمحور المقاومة على يد إسرائيل لاسيما جماعة حزب الله فى لبنان. حافظت الصين على موقف داعم لإيران خلال الضربات المتبادلة بينها وبين إسرائيل، ففى اليوم التالى للهجوم الإيراني الأول بالطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل، في الخامس عشر من أبريل الماضى، أجرى وزير الخارجية الصينى وانغ يى مكالمة هاتفية مع نظيره الإيرانى آنذاك حسين أمير عبداللهيان، وأظهر دعم الصين الثابت لإيران. ونقلت وزارة الخارجية الصينية فى بيانها الرسمى عن وانج تأييده الكامل لقصف إيران للطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل. وأشارت الصين إلى أن إيران صرحت بأن الإجراءات التى اتخذتها إيران كانت محدودة وأنها تمارس حقها فى الدفاع عن النفس.. وتقدر الصين تأكيد إيران على عدم استهداف الدول الإقليمية والدول المجاورة، وإعادة تأكيدها على استمرارها فى اتباع سياسة حسن الجوار والصداقة. وتعتقد الصين أن إيران قادرة على التعامل مع الموقف بشكل جيد وتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار مع حماية سيادة إيران وكرامتها. في ظل تراجع محور المقاومة الذى تقوده إيران، بخسارة سوريا وخسائر حزب الله، وتردد الجماعات المسلحة العراقية الموالية لإيران فى الانخراط بشكل أكبر فى الصراع، عاد الوزير الإيرانى ليلوح من جديد بالملف النووى، ليؤكد من بكين أن عام 2025 سيكون عام الملف النووى الإيرانى. من جانبها، قالت الخارجية الصينية إن بكين «تدعم إيران بقوة لجهة حماية حقوقها ومصالحها المشروعة». وقال وزير الخارجية الصينى وانغ يى إن «الصين تعارض الاستخدام المتكرر للعقوبات والضغوط، وتدعم إيران بقوة فى حماية حقوقها ومصالحها المشروعة». وحث وانغ يى الجانب الإيرانى على مواصلة دعم بعضهما فى القضايا التى تمسّ مصالحهما الأساسية، ودفع التعاون العملى على نحو مطرد. العلاقات الإيرانية تقوم فى جانب كبير منها على العداء المشترك للولايات المتحدة، وهو ما يجعل زيادة الضغوط الأمريكية على أى جانب أو الجانبين معا يمنح هذه العلاقات زخما كبيرة وفرص أكبر لتعميق هذه العلاقات، وما حدث فى العلاقات الروسية الصينية خير دليل على ذلك، حيث ساهمت استراتيجية إدارة الرئيس جو بايدن المعادية لموسكو وبكين فى وصول العلاقات بين البلدين لمستويات غير مسبوقة. من المتوقع أن تكون السنوات القادمة مع تولى ترامب المعادى للصين وإيران سنوات صعبة على البلدين وما سيؤدى حتمًا إلى المزيد من التقارب والتعاون الذى ربما يتجاوز التعاون الاقتصادى والسياسى للأمنى والعسكري.