كم من الجرائم ترتكب لمجرد الشك دون أن يكون هناك دليل مادي ملموس يحول هذا الشك إلى يقين؛ هذا ما حدث مع المتهم في هذه القضية عندما سار وراء شكوكه وخياله المريض مسلمًا أذنيه للشيطان الذي صور له أن زوجته تخونه وتتحدث مع آخر عبر الهاتف المحمول، ولم يمنح نفسه فرصة للتفكير بعقلانية والتأكد من صحة هذه الشائعات، فتحول إلى آلة للقتل لا تعرف الرحمة، أصدر حكمه المجنون بقتل زوجته البريئة.. استدرجها لحظيرة المواشي وقيدها بالحبال ولم يتركها إلا وهي جثة هامدة... وإلى تفاصيل تلك القضية المثيرة. داخل إحدى قرى مركز سيدي سالم، بمحافظة كفر الشيخ، نشأت عبلة كامل، فتاة تبلغ من العمر 26 عاما، هي الفرحة الأولى لأسرتها، عرفت بالطيبة وحسن الخلق، كانت تتولى رعاية أشقائها، ولم تبخل عليهم بأي شيء، والدتها كانت تنتظر ذلك اليوم الذي ستراها فيه عروسًا جميلة في فستانها الأبيض تزف لعريسها وتعيش معه في سعادة وحب تنجب البنين والبنات، تتمنى لها أن تجد زوجًا حنونا يعوضها عن أيامها، وجاء هذا اليوم عندما تقدم لها شاب يدعى طاهر، يبلغ من العمر 30 عاما، يعمل غنام، يقيم بقرية شباس الملح التابعة لمركز دسوق، منذ الوهلة الأولى التي جلست فيها معه شعرت عبلة بارتياح، اعتقدت أنه سيكون سندها في هذه الدنيا، وأن القدر فاجأها بزوج طيب ليعوضها عن سنوات الشقاء، وسرعان ما وافقت الأسرة على تلك الزيجة، وانتقلت عبلة للعيش مع زوجها طاهر في شقتهما الجديدة بقرية شباس الملح. أيام من السعادة والحب عاشها الاثنان، حتى رزقهما الله بالبنين والبنات، لكن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، فجأة عرفت المشكلات طريقها للزوجين، فانقلبت حياتهما رأسا على عقب، تحولت من الحب للكره، ومن العطف للقسوة، بدأ طاهر يعتدي على عبلة بالضرب، والمسكينة تتحمل من أجل أولادها، لا تريد الانفصال عنه حتى لا يعيش الأبناء بين أب وأم منفصلين، على الرغم من أن أسرتها حذرتها ونصحتها بأن تنفصل عنه، لكن عبلة كانت لا تفكر سوى في أبنائها فقط، كان لديها أمل أن أحوال زوجها ستنصلح في يوم من الأيام، ويعود كما عرفته من قبل، لم تكن تلك المسكينة تدري ما يخفيه القدر لها، وأنها ستستيقظ من أحلامها الوردية على كابوس مفزع، لن يمهلها حتى من وداع أسرتها. اقرأ أيضا: «شك في سلوكها».. قرار بشأن المتهم بالشروع في قتل زوجته بحدائق القبة خدعة في يوم من الأيام اشتد الخلاف بين الزوجين، وتعدى عليها بالضرب المبرح، فتركت عبلة البيت وذهبت لمنزل أسرتها، وظلت هناك أكثر من شهر، حتى تلقت اتصالا هاتفيا بأن ابنها مريض ويمكث في المستشفى، لم تتحمل عبلة وقررت العودة سريعا من أجل ابنها، لم تكن تلك المسكينة تدري أنها ذاهبة للموت بقدميها، فبعدما عادت لمنزل زوجها بخدعة شيطانية منعها طاهر من التواصل مع أسرتها. وفي يوم 21 سبتمبر 2023، طلب طاهر منها أن تذهب معه لحظيرة المواشي، وما أن دخلت الحظيرة انقض عليها كالذئب المفترس وكأنه ينتظر اللحظة المناسبة لاصطياد فريسته، كبل يدها وقدميها بالحبال، ووضع غطاء رأسها في فمها حتى لا تصرخ ولا تستغيث بأحد، لكن عينيها الحائرة قالت كل شيء، وكأنها تسأله لماذا يفعل هذا؟، أي ذنب ارتكبته لتعذبني بهذا الشكل؟، لم يعطها فرصة للحديث، أو حتى الدفاع عن نفسها عن ذنب لا تعرفه، وأصدر حكمه ظل يضربها على رأسها بقالب طوب ولم يتركها إلا وهي جثة هامدة، وجلس جوارها يفكر كيف يبرر سبب ارتكابه جريمته حتى جاءته الإجابة، وعندما تم القبض عليه برر جريمته بشكه في سلوكها وأنها تتحدث مع آخر عبر الهاتف، ذلك الزوج الذي بدلا من أن يصون عرض زوجته ويحافظ عليه من أجل أولاده، راح يلوث شرفها دون دليل ملموس ليبرر ارتكابه لجريمته البشعة، أمرت النيابة بحسبه بعدما وجهت له تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ودون الاستناد على أي دليل على خيانة زوجته له ، وتحولت القضية للجنايات وظلت متداولة على مدار عام كامل حتى أسدلت المحكمة الستار عليها بحكمها الرادع العادل. القصاص تداولت الدعوى في الجلسات بعدها قضت محكمة جنايات فوه، الدائرة الأولى، برئاسة المستشار خالد قطب بدر الدين، رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين محمد مبروك عبدالعاطي، وأحمد مصطفى قنديل، وسكرتارية أحمد الميداني، بإعدام المتهم شنقا. استقبلت أسرة عبلة الحكم بإطلاق الزغاريد، فقالوا: «الحمد لله القضاء ريح قلوبنا.. وحكم الإعدام أثلج صدورنا.. مشاعرنا متداخلة، تسيطر علينا مشاعر الفرحة لعودة حقها، لكن هناك حزن دفين داخل قلوبنا لأنها لم تعد بيننا ولن تعود لنا من جديد، نحن ظللنا متلزمين الصمت منذ لحظة ارتكاب الجريمة والشائعات التي كنا نسمعها وتشويه صورتها من المتهم، حتى اقتص القضاء لها، عبلة قتلها زوجها بلا ذنب وراح يشوه صورتها دون دليل، كان نفسها تفرح بأولادها، لكن حرمها المتهم من أحلامها البسيطة». واختتمت الأسرة حديثها قائلة: «دلوقت بس وبعد حكم الإعدام نقدر ناخد عزاها.. وبنقولها نامي وارتاحي حقك رجع». أما والد عبلة فتذكر تفاصيل يوم الواقعة وكأن الجريمة حدثت بالأمس، فقال: «كنت في بيتي معرفش حاجة، فجأة قالوا لي إلحق بنتك جوزها قتلها في حظيرة المواشي، أسرعت لهناك زي المجنون، أول ما شوفت بنتي انهرت وجات لي صدمة». وأضاف: «كانت غضبانة وقاعدة في بيتي حوالي 40 يوما، طلبت منها مترجعش لجوزها تاني لكنها أصرت على العودة من أجل أولادها، قالوا لها ابنك تعبان في المستشفي، عشان كده قالت عايزة أروح لعيالي، ولما رجعت كان مانعنا نتواصل معاها، لحد ما قتلها، لكن الحمدلله حقها رجع وقلوبنا ارتاحت».