كان من الطبيعى أن تعتبر تركيا هذه الخطوة اليونانية ، الإسرائيلية تهديدًا مباشرَا لها. كالجملة الناقصة والمبتدأ بلا خبر غادرنا عام 2024 دون اعتذار عما تسبب فيه بنو آدم من كوارث للبشرية. ودعناه بالأمس وألقينا بآخر أوراقه فى سلة المهملات، عسى أن تأتينا الساعات الأولى من هذا الصباح ببشائر عام جديد نمحو فيه أحزان وكآبات العام الماضى وندعو الله أن يأتى لنا بالخير وأن يعم السلام وأن يفرج كرب المكروبين ويزيح هم المهمومين. تزامنت بداية العام الجديد مع غرة شهر رجب؛ الذى يصب الله فيه الخير صبًا على عباده ويعطيهم من كرمه ورحماته وإحسانه، يمنحهم من العطايا ولا يحرمهم، ويزيد فيه العباد تقربهم إلى الله تأهبًا لشهر رمضان حتى أن بعض المفسرين قاربوا بين شهرى رجب ورمضان فى البركات وتكثيف الطاعات والنوافل. تقبل الله منا جميعًا صالح الأعمال. بصمة إسرائيل فى كل خلاف إقليمى، أو حرب أهلية أو تمرد ما بإحدى الدول، تكتشف بصمات الأصابع الإسرائيلية فى المكان، وكأن الظروف الجيو- سياسية تنحنى أمام ألاعيب الصهاينة. فى المنطقة الأورو- متوسطية يبرز الخلاف التاريخى القديم بين تركيا واليونان، وقد اتخذ مسارًا جديدًا تجلى فى المنافسة على السيطرة على مصادر الطاقة وتحديدًا غاز المتوسط. وتشمل النزاعات التقليدية بين البلدين النزاعات فى بحر إيجه، والنزاعات حول التنقيب عن الغاز فى شرق البحر الأبيض المتوسط، والخلافات حول بحر إيجه. الصراع الراهن بين تركيا واليونان يدور إلى حد كبير حول ما إذا كان يُسمح للجزر اليونانية بإنشاء منطقة اقتصادية خالصة، وهو الأساس للمطالبة بالحقوق على البحر. ويزعم البعض أن الخوف من فقدان السيادة هو ما يدفع هذا الصراع. وفى مماحكة مكشوفة تعرض أمام البرلمان اليونانى خطة لإنشاء نظام دفاع جوى شامل - «القبة الحديدية اليونانية». وسيغطى النظام، الذى سيتم تطويره بالتعاون مع إسرائيل، كامل أراضى اليونان من بحر إيجه إلى برها الرئيسى، بتكلفة تقدر بحوالى 2 مليار يورو. كان من الطبيعى أن تعتبر تركيا هذه الخطوة اليونانية ، الإسرائيلية تهديدًا مباشرَا لها، وبالفعل وصفتها بأنها استعداد للحرب. ونقلت الصحف التحذير السابق للرئيس أردوغان بأن إسرائيل ستستهدف الأراضى التركية بعد فلسطين وإسرائيل. ويتزايد القلق التركى على خلفية سلسلة التعيينات الجديدة فى إدارة ترامب، مثل تعيين ماركو روبيو، المعارض القوى لأردوغان، فى وزارة الخارجية، وتعيين مايك والتز، وهو مؤيد صريح للأكراد، مستشارًا للأمن القومى. كما سيترأس تولسى جابارد، وكالة المخابرات المركزية وهو الذى سبق أن وصف أردوغان ب «الطاغية». كذلك أدت التقارير التى تحدثت عن نية الولاياتالمتحدة استئجار قواعد فى قبرص إلى رد فعل حاد من زعيم القبارصة الأتراك، إرسين تتار، الذى حذر من أنه «إذا خسرنا قبرص، فسوف نخسر تركيا». من الواضح أن هذه الخطوة اليونانية تأتى فى وقت حساس بشكل خاص، حيث تعمل تركيا على تطوير صناعة الطائرات المتقدمة بدون طيار التى أثبتت نفسها فى ساحة المعركة. هكذا يخلق الصراع المستمر فى قبرص مع التدخل الأمريكى المتزايد فى المنطقة، إلى جانب تعزيز العلاقات بين اليونان وإسرائيل، من وجهة نظر تركيا، صورة استراتيجية مثيرة للقلق للتطويق التدريجى. كما ينظر إلى الخطة اليونانية الجديدة فى أنقرة على أنها تهديد مباشر للميزة الجوية التى اكتسبتها تركيا فى السنوات الأخيرة. ينعكس هذا الصراع بشكل مباشر على العلاقات المتوترة أصلًا بين أنقرة وتل أبيب على خلفية الحرب على غزة، الأمر الذى ينبئ باشتعال إضافى فى المنطقة التى تأبى أن تخمد ولو قليلًا رغم كل الوساطات ومحاولات التهدئة.