هذه عبارة الأديب الكبير نجيب محفوظ، التي قالها للزميلة القديرة صاحبة المسيرة الصحفية المتميزة سهام ذهنى، ردًا عن سؤال: ما أحب روائح العطور لديك، فأجاب: «أحب رائحة الليمون». تفصيلة من تفاصيل كثيرة، توقفت عندها سهام ذهنى، بذكاء شديد، فى حواراتها الممتدة من يناير 1983 حتى يناير 2002، إذ حرصت على إجراء حوار سنوى مع صاحب «المرايا»، ومن يقرأ هذه الحوارات مجتمعة، يكتشف أننا أمام سيرة محفوظية فريدة، سيرة تجمع بين التفاصيل الصغيرة والقضايا الكبرى، سواء فى الأدب أو الثقافة أو السياسة. سيرة -بلاشك- تحمل «روح» نجيب محفوظ و»عقله» و»وجدانه»، بجانب ذكرياته ومواقفه.. سيرة تستمع فيها إلى صوته ونبراته وقفشاته وخفة دمه.. سيرة تعرف منها عشقه اللامحدود ل»أم كلثوم، التى وصفها بأنها «معنى ومغنى»، بل إنها تمثل بالنسبة له فصل الربيع؛ إذ تسأله سهام: من الشخص الذى يوحى لك بالربيع؟ فيجيب:»أستطيع أن أقول إنه صوت أم كلثوم». هذا الكتاب «أحب رائحة الليمون.. حوارات مع نجيب محفوظ» - الذى يستضيف متحف نجيب محفوظ مؤلفته فى الواحدة من ظهر الأحد القادم - أعتبره سيرة كاملة ومتكاملة، تضاف للسير التى كتبها الكبار: جمال الغيطانى، رجاء النقاش، محمد سلماوي، ويوسف القعيد، وهى سير كاشفة عن سيرة لم يكتبها صاحبها. في كتابها ركزت سهام على تفاصيل حياته، فما أن تنتهى من قراءة الكتاب، حتى تستطيع أن تتعرف على علاقته بأبنتيه وحبه الشديد لهما، ومدى تمردهما عليه، بدءًا من عدم قناعتهما باسميهما الرسمى: أم كلثوم وفاطمة؛ ليتغير إلى هدى وفاتن، بل الأكثر من ذلك رغبتهما فى تغيير اسميهما فى السجل المدنى، تعلق سهام: يبدو أن أبناءك ثوريتان جدًا، يجيب محفوظ:»بالضبط حتى إنهما رغبتا بتغيير الاسم رسميًا، لولا تهدئتى لهما بأن المسألة لا تستحق». ويتطرق الكتاب كذلك لطفولته وعلاقته بوالديه، ولوظيفته وما استفادته منها ومفهوم الالتزام فى حياته، ومناصرته للقضية الفلسطينية، وذكرياته مع السينما منذ أن شاهدها صغيرًا فى سينما الكلوب بالحسين، إلى أن أصبح مشاركًا فى صناعتها بشكل من الأشكال، وتأكيده على أن «اللغة الفصحى أعطت أم كلثوم امتيازًا، وأم كلثوم أعطت الفصحى جمالاً»، ورؤيته للأجيال الجديدة، وموقفه من زعماء مصر، خاصة عمله «أمام العرش: حوارمع رجال مصر»، وعلاقته بمثقفى عصره وتأسيس «شلة الحرافيش»، واعتباره أن أكبر نصر فى حياته حصوله على جائزة نوبل، أما أكبر هزيمة أو خسارة فى حياته، فهى عجزه عن القراءة، باعتبارها أكبر متعة فى حياته. تحية واجبة للكاتبة الكبيرة على هذا الكتاب، الذى صدرت طبعته الثانية عن هيئة الكتاب، بعد أكثر من 22 عامًا على طبعته الأولى، التى صدرت بعنوان «ثرثرة مع نجيب محفوظ»، فى سلسلة كتاب اليوم الثقافي.