منذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1999 الذى اعتبره الرئيس الروسى بوتين «أعظم كارثة جيوسياسية فى القرن العشرين»، كان المحرك الأكبر لأجندته الخارجية منذ توليه الحكم عام 2000 استعادة المجد الضائع وإعادة تموضع روسيا على خريطة النفوذ الدولى. ولتحقيق ذلك انخرط بوتين فى عدة صراعات أبرزها فى سوريا التى مثّلت أهمية استراتيجية لموسكو حيث منحتها موطئ قدم فى الشرق الأوسط، واستضافت منشآتها العسكرية الحيوية، كقاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية. كذلك مثّل دعم النظام فى سوريا نموذجاً تتباهى به موسكو فى مؤازرة الحلفاء ومنع الدول من الانهيار، مقابل النموذج السلبى لأمريكا التى تركت حلفاءها يتساقطون مع رياح الربيع العربى وأغرقت المنطقة فى دائرة مغلقة من الفوضى.. وخلال عقد من الزمن كان يُنظر للعلاقات الروسية مع الشرق الأوسط كقصة نجاح دبلوماسى، حيث حافظت على سياسة المسافة المتساوية وعززت علاقاتها مع جميع الأطراف بشكل سمح لها بلعب دور الوسيط فى عدة نزاعات فتوسطت بين الأتراك والأكراد، وأقامت علاقات مع المسلمين الشيعة والسنة، ورعت اتفاق مصالحة بين إيران والسعودية. كل هذا انقلب مع سقوط الأسد الذى يرى الكثيرون ان احد أسبابه تراجع الدعم الروسى بسبب انخراط موسكو فى حرب اوكرانيا التى غيرت حساباتها الجيوسياسية وعرقلت قدرتها على متابعة صراعاتها الأخرى. وفيما يرى البعض ان هذا التطور أخرج روسيا من صراع طويل وخاسر، وأعطى لها مساحة للمساومة على ضمانات وتنازلات مقابلة فى أوكرانيا التى تمس أمنها القومى مباشرة، يبقى الحديث عن الانتكاسة التى لحقت بسمعة روسيا كحليف موثوق وبسعيها لتعود قوى عالمية.