زيارة سريعة إلى معرض «تراثنا» الذى افتتح دورته السادسة مؤخرًا، رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، بأرض المعارض بالتجمع، تكشف كمًا هائلًا من حكايات نساء مصريات أبدعن فى صنع العديد من أعمال تخطف الأبصار بعراقتها وأصالتها، حيث يضم المعرض الذى يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري، نحو ألف مشروع من هذه الحرف. ◄ الملس الصعيدي تريند في عالم الأزياء والملابس السيناوية موضة ◄ فساتين سواريه من وحي التراث السوهاجي ◄ التطريز على الكتان طوق نجاة لكثير من الأسر يفسح معرض «تراثنا» الطريق لذوات الأيدى الناعمة فى مجال الحرف اليدوية والتراثية، من أجل استعادة التراث الحضارى المصرى، وفى جولة قامت بها «آخرساعة» داخل المعرض رصدت أبرز الأعمال المميزة التى شاركت بها أعداد كبيرة من النساء، وأهمها الأزياء السيناوية وأعمال التلى السوهاجى والتطريز على الكتان وغيرها من الحرف الأخرى. ◄ إبداعات دمياط تقف ميادة موسى، وهى فتاة ثلاثينية من محافظة دمياط، جاءت لتعرض مفارش مطرزة وأعمال كروشيه ومكرميات، وتقول: «حصلت على دبلوم فنى قسم تفصيل، وبدأت فى تعليم التطريز على الكتان لأبناء قريتى، وجمعت عددًا كبيرًا من المطلقات والأرامل وربات الأسر اللواتى يرغبن فى العمل لتحسين أوضاعهن المادية، وبعد فترة أصبح لدينا ورشة كبيرة، وفى كل أسبوع أجتمع بفريق العمل لتوزيع طلبات العمل عليهن، ويضم الفريق مجموعة من ذوات الهمم يقمن بالعمل وتدريب الفتيات الصغيرات على التطريز وعمل المفروشات والمكرميات، وهناك طالبات يقمن بالعمل أيضًا لمساعدة أسرهن فى مصروفات المدارس والكليات، فمهنة التطريز على الكتان طوق نجاة لكثير من الأسر». ◄ شموع عمرو ووسط هذه الأجواء تضيء «شموع عمرو» أروقة المعرض لتبعث بارقة أمل لأصحاب الحرف التراثية وذوى الهمم. وتقول والدته نبيلة هاشم (50 عامًا)، إن ابنها عمرو محمد الذى يعانى متلازمة داون، وفى كل عام تشترك له فى معرض (تراثنا) الذى يخصّص جزءًا كبيرًا لعرض منتجات ذوى الهمم». وتوضح: «عمرو بارع فى صناعة الشموع والأكسسوارات الفرعونية، وكلما وجدته متميزًا فى شيء ما، أصطحبه إلى ورش التدريب لصقل موهبته وتوفير المستلزمات الضرورية له وأشركه فى المعارض المحلية والدولية». ◄ اقرأ أيضًا | إبداع المرأة المصرية في الأشغال اليدوية والحرف التراثية ◄ بأيادٍ مصرية ووسط زحام العارضين، تجلس إرينى فريد فى ركن بين أزياء ومفروشات الكتان والنسيج المطرز وهى مندمجة فى تطريز قطعة قماش فى يديها.. سألناها عن طبيعة منتجاتها فقالت: «أنا مش لوحدى فى المشروع، إحنا أصحاب جمعية اسمها (بأيادٍ مصرية)، تضم سيدات من مناطق السكاكينى والضاهر وشبرا وغمرة بالقاهرة، وهن ربات أسر وطالبات مدارس وجامعات، جميعهن يستحققن لقب بطلات، ووراء كل واحدة منهن قصة كفاح، فمثلًا أنا من منطقة السكاكينى، أم لثلاثة أطفال، وجدت صفحة على السوشيال ميديا لتعليم التطريز على الكتان والنسيج، فاشتركت معهم، ومنذ أن تعلمت التطريز وأنا أعشقه كما أنه أصبح مصدر دخل جيدا لى، ويكفى إحساسى بأننى عنصر فاعل فى الأسرة». وتشير إرينى إلى أن التطريز على النسيج حرفة كادت تندثر، لكن مع انتشار ورش تعليم التطريز على الكتان سواء كان مفروشات أو أزياء أو شنطا، عادت الحرفة إلى أمجادها من جديد. وبين جدران المعرض المتزينة بالحرف التراثية المختلفة تجلس السيدة خضرة إبراهيم (45 عامًا)، تعرض أزياء بدوية مطرزة مستوحاة من الطبيعة البدوية ومواكبة لموضات العصر، وحين تحدثنا معها قالت: «جميع البنات الصغيرات بمحافظة جنوبسيناء يشتغلن بالتطريز، ليس لكسب العيش، ولكن لإنتاج أشياء للمنزل، ولم أتجه للعمل بالمهنة إلا بعد وفاة زوجى، فأنا أم لخمسة أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة، ولا يوجد مصدر دخل لتلبية احتياجات الأسرة، لذا قررت فتح مشغل لتفصيل وتطريز الأزياء البدوية، وأخذت قرضًا بسيطًا من البنك وجمعت سيدات القرية خاصة الحالات الشبيهة بحالتى واشترينا المستلزمات ونفذنا الفكرة إلى أن أصبح لدينا مشروع كبير يضم حوالى ألف سيدة يعملن فى التطريز البدوى بالإضافة إلى أخريات يعملن من المنازل». وتضيف خضرة: «كل عام أشترك فى معرض (تراثنا) الذى يضم عددًا كبيرًا من مبدعى الحرف اليدوية بما يضمن الحفاظ على جميع حرف التراث المصرى ويحميها من الاندثار». ◄ الملس الصعيدي أما هالة عبدالحميد، فجاءت من مدينة الطور بمحافظة جنوبسيناء، وهى متميزة فى منتجات التراث السيناوى وحياكة الملس الصعيدى، ومع زحمة الحياة وبعد وفاة والدها لم تجد طوق نجاة تتعلق به سوى العمل بالحرفة التى أتقنتها منذ الصغر. وتقول: «بمبلغ بسيط اشتريت مستلزمات التطريز والقماش ودعوت جميع أقاربي من السيدات للعمل معي، وصممتُ بعض الأزياء وقمت ببيعها وتوزيع المكسب على باقى الفريق، وبمرور الوقت أصبح لدينا ورشة صغيرة جمعت سيدات مدينة الطور وأصبحت هذه الورشة باب رزق للأرامل والمطلقات والسيدات غير القادرات ماديًا». وعن سبب اختيارها الملس الصعيدى، تقول: «فى الفترة الأخيرة أصبح الملس الصعيدى تريند، فبدأنا نشتغل عليه، وطورنا الفكرة بعمل تطريز سيناوى على الملس الصعيدى، كنوع من دمج الأفكار التراثية المصرية معًا». وتوضح هالة أن اشتغال النساء فى هذا المجال ليس مجرد عمل بالنسبة إليهن، بل هو فن وحفاظ على التراث، وفى نفس الوقت يساعد على تحسين الدخل، فالكثير من السيدات يقمن بمساعدة أبنائهن فى مصروفات التعليم وتجهيز الفتيات للزواج، كما أن العمل بالحرف اليدوية لا يستلزم وجود السيدة أو الفتاة فى العمل لساعات طويلة، حيث يمكنها مزاولة عملها من المنزل مع متابعة شئون بيتها وأسرتها. ◄ التلى السوهاجي وفى أحد أقسام المعرض، كانت تجلس سماح الفقى من سوهاج، ولاحظنا أنها تشغل ثوبًا من التلى بالفضة، وتتابع مع الزوار عرض منتجاتها التى تزينها الرسومات التراثية والحلى التى تصنعها سيدات سوهاج بأناملهن. وتوضح سماح أن حرفة التلى بجزيرة شاندويل موجودة منذ القدم، فهى حرفة توارثتها النساء عن الأمهات والجدات، وتقول: «أنا واحدة من السيدات اللواتى احترفن هذا الفن منذ 25 سنة، فرغم أن تعليمى متوسط فإن احترافى لهذا الفن جعلنى أشعر بالفخر وأننى قادرة على أن أكون إضافة لعائلتى وللمجتمع، وقد شكلت فريقًا من السيدات يضم حالياً مئة سيدة نعمل معًا». وتتابع: «تقبل الكثير من النساء على هذه الحرفة اليدوية التراثية لعدة أسباب، أولها اقتناعهن بأهمية المحافظة على التراث، كما أنها تمنح لهن إحساسًا بالقيمة والعمل وتحقيق الذات من داخل بيوتهن، لأن خروج المرأة للعمل فى الصعيد شيء ليس سهلًا بسبب العادات والتقاليد، لذا فالأشغال اليدوية خير ملاذ للمرأة الصعيدية، كما أنها ترفع من مستوى معيشة المرأة وأسرتها وتوفر لها حياة كريمة دون الحاجة للخروج من المنزل وتجعلها قادرة على أن توازن بين عملها ورعاية شئون بيتها». وفيما يتعلق بالأسعار، أوضحت سماح أن معظم الطلبات يتم تنفيذها لعملاء من القاهرة أو خارج مصر، نظرًا لارتفاع سعر منتجات التلى لأن القطع تحتوى فى تطريزها على 70% من الفضة، بخلاف ارتفاع أسعار الخامات والأقمشة، لافتة إلى أن الموديلات خرجت عن إطار العباءات التقليدية وأصبحت تشمل فساتين السواريه.