يعيش الاتحاد الأوروبي لحظة مفصلية في تاريخه مع تعثر واضح في أداء محركه الرئيسي المتمثل في التحالف الفرنسي الألماني، الذي طالما قاد مسيرة التكامل الأوروبي على مدى العقود الماضية، في هذا الصدد كشفت صحيفة الجارديان البريطانية، عن حجم الأزمة غير المسبوقة التي تضرب أكبر اقتصادين في القارة العجوز، في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحديات جيوسياسية واقتصادية متصاعدة على الساحة العالمية. الأزمة السياسية تعصف بباريسوبرلين تشهد فرنسا اضطراباً سياسياً هو الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أجبر الرئيس إيمانويل ماكرون على تعيين فرانسوا بايرو رئيساً للوزراء، ليصبح بذلك رابع رئيس وزراء فرنسي خلال عام 2024 وحده. وتكشف الجارديان أن هذا التعيين يأتي في أعقاب سقوط أقصر حكومة في تاريخ الجمهورية الخامسة، بعد تصويت بحجب الثقة جمع بشكل غير مسبوق بين اليمين المتطرف واليسار. وتفيد الصحيفة البريطانية أن البرلمان الفرنسي منقسم إلى ثلاث كتل متساوية تقريباً - اليسار العريض، والوسط، واليمين/اليمين المتطرف - مما يجعل تشكيل حكومة مستقرة تحدياً شبه مستحيل. في المقابل، لم يكن الوضع في برلين أفضل حالاً، إذ انهار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس الشهر الماضي بعد خلافات حادة حول الميزانية وإقالة وزير المالية كريستيان ليندنر. وتوضح الجارديان أن الأزمة السياسية الألمانية تزامنت مع تراجع شعبية شولتس إلى مستويات تاريخية، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى تقدم المحافظين بقيادة فريدريش ميرتس، مع صعود مقلق لحزب البديل اليميني المتطرف الذي بات يحظى بتأييد 18% من الناخبين. انهيار اقتصادي متزامن يهدد مستقبل أوروبا تكشف الجارديان عن أزمة اقتصادية عميقة تضرب البلدين في آن واحد، ففي فرنسا، تجاوز العجز في القطاع العام 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل أكثر من ضعف الحد المسموح به في منطقة اليورو، كما وصل الدين العام إلى مستوى خطير بلغ 110% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بارتفاعه. والأخطر من ذلك، كما تشير الجارديان، أن الأسواق المالية باتت تصنف فرنسا كأقل جدارة ائتمانية من اليونان، في تطور درامي يعكس عمق الأزمة المالية التي تواجهها باريس. أما في ألمانيا، فالوضع لا يقل سوءاً، إذ تعاني أكبر اقتصاد أوروبي من تباطؤ حاد في النمو جعله الأسوأ أداءً بين الاقتصادات الكبرى في العالم. وتعزو الجارديان هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، تشمل ارتفاع تكاليف الطاقة والعمالة، وتقادم البنية التحتية، وبطء التحول الرقمي، فضلاً عن تأثر الصادرات الألمانية بتباطؤ الاقتصاد الصيني. كما تواجه صناعة السيارات الألمانية، العمود الفقري للاقتصاد، تحديات كبيرة في التحول نحو السيارات الكهربائية، مع تهديدات بفرض رسوم جمركية أمريكية باهظة في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. تداعيات خطيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبي تؤكد الجارديان أن تزامن الأزمتين السياسية والاقتصادية في فرنساوألمانيا يمثل تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي، خاصة وأن البلدين يمثلان معاً 41% من الناتج المحلي الإجمالي للتكتل. وتنقل الصحيفة عن محللين توقعاتهم بانكماش اقتصادي محتمل في كلا البلدين خلال عام 2025، في توقيت حرج يواجه فيه الاتحاد تحديات متصاعدة على المستوى الدولي. ومع ذلك، تختم الجارديان بنبرة تفاؤل حذر، إذ ينقل عن مجتبى رحمن من مجموعة أوراسيا الاستشارية قوله إن "من السابق لأوانه اعتبار فرنساوألمانيا خارج المعادلة". ويتوقع رحمن "إعادة تنشيط المحرك الفرنسي الألماني في النصف الثاني من العام المقبل"، مشيراً إلى أن التهديد المحتمل من عودة ترامب قد "أعطى وزناً ومصداقية لكل ما كان يقوله ماكرون بشأن الأمن والدفاع والاستقلال الاستراتيجي الأوروبي".