يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات خطيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، حيث تؤثر الأزمات السياسية في كل من فرنساوألمانيا بشكل مباشر على استقرار الاتحاد. تعيش فرنسا أزمة سياسية حادة بعد سحب الثقة من حكومة «ميشيل بارنييه»، وهى أزمة تتزامن مع تحديات مماثلة فى ألمانيا حيث أدت الحكومة الائتلافية إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي. هذه الأزمات السياسية فى الدولتين تشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على استقرار هذه البلدان، ولكن أيضًا على وحدة الاتحاد الأوروبي ككل، مما يؤثر بشكل كبير على استقرار اليورو كعملة موحدة. حيث تواجه القوى الكبرى فى الاتحاد الأوروبي حالة من الفوضى السياسية والانكماش الاقتصادي. فرنسا، واحدة من القوى الكبرى فى الاتحاد الأوروبى، تواجه أزمة سياسية حادة بعد إسقاط حكومة بارنييه، التى كانت تحاول التعامل مع مشاكل اقتصادية عميقة، مثل العجز المالى المتزايد. وفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فإن هذه الأزمة تأتى فى وقت حساس للغاية، حيث كانت الحكومة الفرنسية تخطط لمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية التى تهدف إلى تقليل العجز العام وتحقيق التوازن فى الميزانية. ومع ذلك، بسبب الانقسامات السياسية فى البرلمان، يبدو أن الحكومة الحالية غير قادرة على تحقيق التقدم المطلوب فى هذا الاتجاه. إن النزاع السياسى الذى دفع بارنييه إلى حافة الهاوية، حول الميزانية السنوية لعام 2025، يشير إلى أنه سيكون من الصعب الآن معالجة المشاكل الاقتصادية فى البلاد. مع عجز قدره 6.2% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يتعارض مع المعايير المالية للاتحاد الأوروبى التى تشترط ألا يتجاوز العجز 3%. وفى هذا السياق، أشار تقرير نشرته «يورو نيوز» إلى أن الحكومة الفرنسية قد تكون مجبرة على تبنى إجراءات تقشفية لمواجهة هذا العجز، وهو ما قد يسبب احتجاجات جماهيرية ويزيد من الانقسامات الداخلية. ووفقًا لتحليل نشره الموقع الأوروبى، فأن انهيار الحكومة فى برلين والآن ستعيق باريس الجهود الرامية الى معالجة العجز المتزايد فى أوروبا والقدرة التنافسية المتعثرة. فالفراغ السياسى فى فرنساوألمانيا، أكبر لاعبين فى الاتحاد الأوروبى وأكثرهما نفوذا، ينذر بالمتاعب للاقتصاد الأوروبى المريض بالفعل. ◄ اقرأ أيضًا | فرنسا ترسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى لبنان ◄ الحكومة الجديدة ووفقًا للموقع الأوروبى، فإن من سيشكل الحكومة الجديدة سيواجه صعوبة كبيرة فى دفع مقترحات الضرائب والإنفاق من خلال البرلمان. لا يمكن إجراء انتخابات جديدة حتى منتصف العام المقبل، ولا يمكن لأى من الكتل الثلاث فى الجمعية الوطنية الفرنسية أن تحصل على أغلبية. دعا العديد من اليسار إلى التراجع عن الإصلاحات الأوسع فى نظام التقاعد، والتى كانت من أبرز نقاط أجندة الرئيس إيمانويل ماكرون الليبرالية؛ وفى المدى القصير، كانت زعيمة حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف «مارين لوبن» تدعو إلى سياسة مكلفة تتمثل فى ربط التقاعد بالتضخم. والأسوأ من ذلك، أن الأزمة فى باريس تأتى فى وقت يعانى فيه أكبر قوة اقتصادية وسياسية فى الاتحاد الأوروبى ألمانيا. ◄ الاقتصاد الألماني ومن المتوقع أن تكون ألمانيا، أكبر دولة فى الاتحاد، هى الأسوأ اقتصادياً فى العام المقبل: فمن المتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 0.7% فى العام المقبل، بعد أن انكمش فى عام 2024. وأيضاً، تواجه برلين مشاكل سياسية خاصة بها، حيث انهار الائتلاف الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب فى نوفمبر الماضى، بعد خلافات حول السياسة المالية بين المستشار الألمانى «أولاف شولتز» ووزير ماليته الليبرالى «كريستيان ليندنر.» ودعا شولتز إلى إجراء انتخابات مبكرة فى فبراير القادم، ومن المقرر أن تتولى الحكومة الجديدة مهامها فى برلين بحلول يونيو. وحتى ذلك الحين، من المرجح أن تمتنع الحكومة عن اتخاذ قرارات سياسية جريئة. وخلال فترة الفوضى السياسية التى تلت ذلك، لم ترسل برلين إلى الاتحاد الأوروبى أى خطة حول كيفية معالجة عجزها فى السنوات القادمة، رغم أنها كانت قد قادت الدعوة السياسية لفرض قواعد مالية صارمة من بروكسل. ◄ المحور الرئيسي عادة ما تعتبر باريسوبرلين المحور الرئيسى للقوة فى الاتحاد الأوروبى، حيث تقودان السياسة وتحددان الخطوط الرئيسية لأجندة الكتلة المكونة من 27 عضوًا. وتأتى انشغالاتهما فى الداخل فى لحظة حرجة. صورة الاقتصاد الأوروبى القاتمة من غير المرجح أن تتحسن؛ فالعلاقات مع الشريك التجارى الرئيسى الصين تتزايد برودتها، حيث يسعى الاتحاد الأوروبى إلى «تقليل المخاطر» من منافس جيوسياسى. وفى يناير 2025، سيعود ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة. وبالنسبة للاتحاد الأوروبى، يعنى هذا على الأرجح عودة الرسوم الجمركية المتصاعدة، والتى تنذر بأخبار سيئة لصناعة السيارات الألمانية على وجه الخصوص. وفى إطار حلف شمال الأطلسى، يمكن للدول الأوروبية أن تتوقع انتقادات منتظمة من واشنطن لخفض الإنفاق الدفاعى الذى يرقى إلى حد الركوب المجانى على القوة العسكرية الأمريكية. وقد هدد ترامب سابقًا بترك أعضاء حلف شمال الأطلسى تحت الهجوم للدفاع عن أنفسهم إذا لم ينفقوا ما يكفى على قواتهم، وفقًا لموقع «دويتش فيليه». ◄ السياسة الألمانية لقد جاءت الأزمة السياسية الألمانية فى وقت سيئ. وسوف يميل ترامب إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي من أجل التلاعب بالقضايا الرئيسية لصالح واشنطن، بدلاً من السماح لدوله الأعضاء السبع والعشرين بالوقوف معًا، بحسب ما ذكره موقع «يورو نيوز». وقد يؤدى التهديد بالركود، الذى يخيم على ألمانيا للعام الثانى على التوالي، إلى إضعاف القدرة الفرنسية الألمانية على لعب دور قيادى. الوقت ينفد وستركز ألمانيا، أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى، على الحملة الانتخابية، فى وقت يعود فيه ترامب إلى الواجهة ويهدد بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية. وكما قال الرئيس المنتخب الجمهورى الذى يرفع شعار «أمريكا أولاً» إنه سينهى بسرعة حرب أوكرانيا من خلال دفع كييف إلى التفاوض مع موسكو. وإذا سحب ترامب الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا، فسوف يتعرض الاتحاد الأوروبى لضغوط شديدة لسد الفجوة. ويرتبط تراجع اليورو ارتباطًا وثيقًا بعدم الاستقرار السياسى والتحديات المالية التى تواجهها كل من ألمانياوفرنسا. ويظل الوضع متقلبًا فى حين إجراء انتخابات ألمانية مبكرة وسعى الرئيس ماكرون إلى اختيار رئيس وزراء جديد قادر على التعامل مع هذا المشهد المضطرب واستعادة الثقة فى كل من الحكومة واقتصاد منطقة اليورو.