مع اقتراب نهاية العام الحالى واستقبال عام جديد وهو عام 2025 يحاول الكثيرون فى العالم التطلع بأمل إلى ما هو قادم بل ويتضرعون إلى الله أن يصبح العام الجديد بداية خير وسعادة وربما نهاية للآلام والمعاناة التى مرت بها البشرية أفرادًا ومجتمعات فى عام 2024، الذى ربما لم يختلف فى آلامه ومشاكله عن الأعوام السابقة خاصة منذ بداية جائحة كورونا فى عام 2020، ومن هنا تتسابق مراكز الدراسات والمستقبليات هذه الأيام فى وضع تكهناتها لما قد يحدث فى العام الجديد، ربما كنوع من الإنذار للبشرية لكى تتنبه إلى ما قد تقع فيه من مشاكل فتعمل معا على تدارك الأمور وإصلاحها، وإن كان هذا الاتجاه كان موجودا من قبل على مدار السنوات والعقود السابقة إلا أن حرص بعض الدول والقوى وكذا الأفراد على بناء سعادتهم وتقدمهم على حساب الآخرين كان أقوى من إرادة المجتمع العالمي بأسره. وبطبيعة الحال يحتفظ المنجمون والمشعوذون بنصيبهم البارز فى هذا السباق بل ويمكن القول إن مريدى هذه الفئة يفوقون فى العدد بكثير جدًا أنصار العلم ومراكز الدراسات، غير أننى لا أجد فارقًا كبيرًا بينهم فى العقود الأخيرة خاصة أن كلا الفريقين قد دأب على مدار العقود الأخيرة على إبراز التشاؤم الشديد حول مصير ومستقبل البشرية بداية من توقع الكوارث الطبيعية والحروب والنزاعات ووصولًا إلى نهاية العالم التى لست أدرى السبب فى هذا الشغف الكبير الذى يبدونه فى ترقبهم لها. بصفة عامة صدرت فى الآونة الأخيرة مجموعة من التكهنات المتعلقة بما يمكن أن يأتى به العام الجديد، وهذه التكهنات يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين: الأول وهو الأكثر متابعة وجاذبية وهو التنجيم والشعوذة، والثانى هو تقرير مراكز الدراسات والتكهنات التى تقوم على أسس علمية وقراءات (سواء صدق أو كذب أى منهما)، فيما يخص القسم الأول وهو التنجيم فهنا ينبغى أن نعترف أن التنجيم وفقًا لرؤية الكثيرين قد تحول لنوع من العلوم والأبحاث. لذلك نُلقى الضوء على توقعات أولئك الذين يؤكدون أن تكهناتهم تتصل بحسابات وعلوم فلكية هم على دراية أكبر بها، وهذه الفئة تتراوح ما بين منجمين خرجوا علينا فى السنوات والعقود الأخيرة بعد أن أصبحت مهنة المنجم مهنة مربحة تدر دخلًا وقيمة اجتماعية معينة على صاحبها، وما بين منجمين وضعوا مؤلفات قبل مئات السنين وهذه المؤلفات مازال جانب كبير منها يتحقق حتى يومنا هذا. ◄ أشهر المؤلفات وعلى رأس هذه المؤلفات تأتى أعمال الفيزيائي والمنجم الفرنسي الشهير نوستراداموس وهى مجموعة من التنبؤات التى جمعها فى كتابه الشهير "قرون" والتى رغم مرور 400 عام على ظهورها إلا أن الكثير من هذه التنبؤات مازال يتحقق حتى الآن، بما فى ذلك توقعاته حول نشوب حربين عالميتين وحول قصف هيروشيما والنزول على القمر وغيرها الكثير من الأحداث، وإن كنت أعتقد أن خلفية الرجل اليهودية وعلاقاته مع بعض المنظمات اليهودية لها دور كبير فى تحقيق تنبؤاته أو تبرير أحداث عالمية بهذه التنبؤات، خاصة أن كتاباته ترتبط فى معظمها برؤية المترجمين لها، ولكن بعيدا عن هذا أو ذاك من التقييمات فإن هذا الرجل ورغم وفاته قبل قرون كثيرة إلا أن البعض يعتقد بصحة تنبؤاته حيت تتوقع هذه التنبؤات أن يشهد عام 2025 مجاعة كبرى يضطر فيها البشر لأكل جذوع الأشجار وفصل الأطفال عن أثداء أمهاتهم، بل ويذهب البعض لأبعد من ذلك ويربطون بين هذه التنبؤات وبين ما يذكره بعض الكهنة مما يعرف باسم "فصح المجاعة"... فهل ستصح هذه الصورة القاتمة، أمر يصعب تصديقه حيث لا توجد أى مقدمات توحى بهذا المستقبل القاتم حتى فى ظل المشاكل والنزاعات الحالية. ◄ سلام واستقرار أما عالم الفلك الهندى كوشار كومار فهو تحدث قبل فترة عن أنه إن لم تظهر فى عام 2024 نزاعات أخرى غير تلك التى فى الشرق الأوسط وأوكرانيا فسوف يشهد عام 2025 طفرة نحو السلام والاستقرار وحتى هذان النزاعان سوف يخمدان فى منتصف عام 2025. وهناك عالم الفلك الروسى بافل جلوبا الذى يبنى تنبؤاته على أساس النظرية التى تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه كل 96 عامًا، وبالتالى فسوف يواجه الغرب كسادًا عظيمًا وسوف تتعرض العملات العالمية الرئيسية لهزات عنيفة، إلا أن الدولار الأمريكى سوف يصمد للنهاية، وسوف تتمكن روسيا فى العام الجديد من تعزيز مكانتها، ورغم أن هذا النوع من التنبؤات يستند إلى نظرية معترف بها عالميًا إلا أنه كما ترون لا يخلو من الطابع السياسي، وإن كان لا يختلف كثيرًا من تنبؤات عالم الفلك الهندى بونيتا ناخاتا الذى يتوقع أن تدخل روسيا فى العام الجديد مفاوضات صعبة جداً لإنهاء النزاع، وفى نفس الوقت سيواصل الاقتصاد الروسى نموه وتقدمه وسوف يتزايد تلاحم المجتمع الروسى وتعزيز الاستقرار فى هذا البلد بما يشجع تدفق المزيد من الاستثمارات عليه وقيام عدد كبير من الشركات والشراكات بين روسيا ومختلف دول العالم، كما ستدخل روسيا تحالفات قوية وسيتزايد نفوذها على المستوى الدولي، إلا أن كل ذلك سوف يصاحبه مواقف صعبة فى مجال التنافس على السلطة على المستوى الداخلي. وأخيرًا هناك العراف الهندى الشهير أبيجا أناند الذى يستبعد نشوب الحرب العالمية الثالثة وإن كان يتنبأ بالمزيد من التوتر فى منطقة آسيا - المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، ويشير إلى أن التوتر سوف يقتصر على مناوشات محدودة ولن يتطور الأمر بشكل خطير قبل عام 2028، وبينما يتوقع المزيد من تعزيز العلاقات بين روسيا والهند والصين ولكن لن تستقر الأوضاع فيما يخص أوكرانيا قبل عام 2038، كما يتنبأ بتراجع النفوذ الأمريكى مثلما حصل مع الإمبراطورية الرومانية ولكن لن تتراجع أهمية الدولار قبل عقد كامل من الزمان وقبل تعزيز عملات دول بريكس من مكانتها، ويتوقع العراف الهندى ظهور أوبئة جديدة فى عام 2025 وتردى الوضع الصحى فى العالم أجمع. ◄ توقعات علمية فى نفس الوقت بدأت مراكز الدراسات الرئيسية فى العالم نشر توقعاتها العلمية بشأن العام الجديد بما فى ذلك مركز الدراسات التابع لبنك ساكسو الدنماركى والذى عبر عن توقعاته ربما تبدو أقرب إلى التنبؤات منها إلى التوقعات العلمية حيث تذهب بعيدًا جدًا بحيث لو تحقق أى منها فسوف يغير من شكل الحياة التى نعيشها، وتتضمن توقعات مركز بنك ساكسو أن تشرع إدارة ترامب فى الولاياتالمتحدة فى فرض رسوم جمركية وقيود متشددة وهو ما سيشكل عبئا على التجارة والاقتصاد العالميين ويقلل من الثقة فى الدولار وبذلك تكون الإدارة الأمريكية ذاتها هى المتسببة فى فقدان الدولار لمكانته ونفوذه فى العالم، ثم تفوق شركة إنفيديا على شركة أبل وتحقق أرباحا خيالية وتقدم ابتكارات تكنولوجية أكثر تقدما بما فى ذلك على صعيد الذكاء الاصطناعي لتغير بذلك من نمط الحياة على وجه الأرض، وستقوم الصين بإطلاق برنامج جديد لتحفيز الاقتصاد بتمويل يصل لخمسين تريليون يوان بحيث تحقق طفرة اقتصادية جديدة وتؤكد تربعها على زعامة الاقتصاد العالمي، ويتوقع المركز أن يحقق الطب طفرة كبيرة تصل إلى حد استنساخ القلب والتوصل لوسائل جديدة لشفاء الكثير من الأمراض المستعصية، كما ستتراجع أهمية النفط وتأثيره على السياسة الدولية، واستعادة الجنيه الإسترلينى لقيمته ووزنه السابقين، وغيرها من التوقعات التى يبدو بعضها ممكنًا ويمكن توقعه قريبا بينما البعض الآخر يظل رهينة تطورات عالمية غير مسبوقة وغير متحكم فيها، وهنا نذكر بأن غالبية إن لم يكن كافة توقعات بنك ساكسو لعام 2024 لم تتحقق حيث يبرر خبراء البنك ذلك بأنهم خبراء اقتصاد يضعون توقعات ترتبط بمؤشرات الحاضر وتمثل ناقوس خطر لتجنب تحقق التوقعات ذاتها. ◄ مزيد من الاضطرابات أما صحيفة إيكونيميست ذات الصلة بدوائر المال والأعمال الكبرى فى العالم وعلى رأسها مجموعة روتشيلد فهى تجمع ما بين استنتاجات مراكز الدراسات وتنبؤات المنجمين حيث تتوقع فى العام الجديد المزيد من الاضطرابات فى العالم إلى جانب ظهور أمراض وأوبئة جديدة ومخاطر بسبب التغيرات المناخية، أما بالنسبة لسياسات ترامب فهى تعتقد أن ترامب سوف يواصل التمسك بالشعارات التقليدية لبلاده " أمريكا فوق الجميع وقبلهم"، لذلك فسوف ترتبط إدارة النزاع فى أوكرانيا بتحقيق المصالح الأمريكية التى ربما سيتضح فيما بعد أنها قد تتعارض مع المصالح الأوروبية لتبدأ أوروبا فى التفكير فى طبيعة علاقاتها وتحالفها مع الولاياتالمتحدة. ولكن لو عدنا بالذاكرة للوراء عشرة أعوام أى فى عام 2015 سوف نجد أن مراكز الدراسات والمتنبئين قد أجمعوا على مجموعة من التوقعات لعام 2025، حيث سيتضح أن البعض منها تحقق والبعض الآخر مازال فى مرحلة التحقيق وإن كانت كافة المقدمات توحى بأنه سوف يتحقق، وتضم هذه التوقعات ثمانية مجالات بما فى ذلك مجال الحاسبات حيث ذهبت التوقعات لعام 2025 للتوصل لكمبيوترات عالية السرعة تصل سرعتها عشرة ملايين هرتس فى الثانية وبسعر لا يتعدى الألف دولار، وهو الأمر الذى تعد به العديد من كبريات الشركات فى العالم قريبا، والمجال الثانى الذى يتصل بالمجال الأول هو مجال الإنترنت حيث كانوا يتوقعون أن يصل عدد الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت العالمية لأكثر من مائة مليار جهاز وهو ما سيعطى إمكانيات اقتصادية عالية جداً خاصة لو وضعنا فى الاعتبار أن كل جهاز سوف يحتوى على العشرات من المجسات وأجهزة الاستشعار وهو ما يعنى تريليون جهاز استشعار وقيمة اقتصادية إضافية تتعدى 19 تريليون دولار، وبطبيعة الحال سوف ينعكس ذلك على الإدراك البشرى وحجم المعلومات المتاحة للبشر بشكل أسهل وأسرع، كما سيشمل التطور مجال الذكاء الاصطناعى الذى سيشمل كافة مناحى الحياة وسيغير من شكل الحياة على الأرض، وإن كان ذلك سيؤثر على الصحة العامة للشعوب حيث سيزيد التطور من القصور فى الحركة والنشاط بما يؤثر على صحة الفرد ومتوسط الأعمار. ◄ الإرادة الإلهية وبذلك يتضح لنا أن التنبؤات سواء من جانب المنجمين أو من جانب العلماء والباحثين لا تبدى الكثير من التفاؤل تجاه ما هو قادم سواء العام القادم أو ما يليه، ولكن ينسى أولئك أو هؤلاء أن هناك الإرادة الإلهية التى تقصر الاطلاع على المجهول للرب وحده، الرب الذى أعطى الإنسان القدرة على تحديد مصيره وعلى اتخاذ القرار،أى أن الإنسان هو الذى يمكنه أن يرسم مسار حياته المستقبلية ويغبر من منحنياتها سواء نحو التقدم والازدهار أو نحو المزيد من الدمار وإراقة الدماء، فما نشهده من مقدمات مع نهاية العام الحالى لا يوحى بأى شيء إيجابى فى العام الجديد وعليه على البشرية أو على الأقل الشعوب النامية والضعيفة توحيد جهودها لرفض دعاوى الهدم والعنصرية والتدمير التى ينشرها الغرب والقوى الكبرى لتحقيق أغراضها التى تتناقض مع أبسط حقوق الإنسان بل والإنسانية بصفة عامة.