لم يكن من السهل على المحللين التنبؤ بالانهيار المفاجئ والسهل لنظام بشار الأسد في سوريا، وكأنه رقائق بسكويت تفتتت بين إصبعين فقط في يد المعارضة. ومع أن السقوط كان متوقعًا إلا أنه لم يكن ليتم بهذه السرعة، لولا رفع الحلفاء غطاءهم عن ذلك النظام. في الوقت نفسه يصعب كذلك تصديق تلك السهولة التي يخلع بها زعيم التمرد في سوريا أبو محمد الجولاني، رئيس تنظيم "هيئة تحرير الشام"، واسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، رداء تنظيمي داعش والقاعدة وهو ربيبهما وقيادي سابق في كليهما، ليرتدي عباءة الحاكم المتوازن الرشيد على أمل أن يتقبله العالم كزعيم مؤقت للبلاد. فالرجل,وفي دلالة لا تخفى على أحد، اختار أن يقدم نفسه للسوريين ويخاطبهم من على منبر المسجد الأموي في تكرار لمشهد ابو بكر البغدادي حين خاطب العراقيين والعالم وألقى خطاب النصر من على منبر أحد المساجد. وهو نفسه الذي سمح لقيادة المتمردين بنشر إعلان بشأن خمسة قوانين جديدة على الأقل ستطبق في البلاد. بموجبها، وبحسب الإعلان، سيناقش القانون الأول حظر "التدخل في ملابس النساء"؛ والثاني في الحرية الشخصية للمواطنين السوريين؛ والثالث احترام الحقوق الفردية باعتبارها "أساس بناء الوطن المتحضر"؛ والرابع في التأكيد على أهمية حماية الإعلاميين؛ والخامس سيناقش مسألة حرية العمل. وبحسب مصادر في سوريا؛ من المهم جداً كيفية تعامل الدول الغربية والرئيس الأمريكي المنتخب ترامب معه، عند إظهاره موقفاً معتدلاً ومسؤولاً تجاه الشعب السوري. وهكذا بدأت البشارة مع اقتراب رفع اسم هيئة تحرير الشام من القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية وكأنهم قبلوا أوراق اعتماده صديقًا لهم. اللافت والمثير للتساؤل هو كيف لنظام وطني يقول انه جاء لإصلاح الأوضاع في بلاده وكان لديه من القوة العسكرية ما أتاح له إسقاط النظام القائم في ساعات قليلة، أن يسمح للعدو الصهيوني بتدمير سلاح الطيران الوطني بالكامل، فقد تم تنفيذ حوالي 300 هجوم على أهداف عسكرية مختلفة، خاصة القوات الجوية السورية. بما في ذلك أسراب كاملة من طائرات الميج والسوخوي التي تم تدميرها. وكيف يسمح للعدو الصهيوني بأن يرسخ احتلاله للجولان ويوسع مواطئ أقدامه فيها، وكيف يسمح له باقتحام ما يُزعم انه مخازن أسلحة كيماوية تخص النظام السابق ولا يعتبرها من الأصول التي بجب عليه الحفاظ عليها حتى يتم التيقن من فعاليتها؟ كيف يفعل كل هذا إلا إذا لم يكن بالقوة الكافية التي يدعيها ويعتمد على رعاة خارجيين، تمامًا كما كان النظام السابق الذي أسقطه أو أنه ليس بالوطنية الكافية التي يدعيها أيضًا. إن التنظيم المتمرد الرئيسي "هيئة تحرير الشام" بقيادة الجولاني، هو الذي قاد احتلال دمشق والمدن الكبرى الأخرى في وسط سوريا - لكن في البلد المفكك لا يزال هناك عشرات الآلاف من المقاتلين المنتمين لتنظيمات متمردة أخرى، ومن بينهم متطرفون سيطروا على مناطق أخرى في سوريا، بما في ذلك أجزاء من جنوب البلاد قرب درعا وحتى في الجولان السوري. وهذا هو السبب وراء عدم قيام جيش الاحتلال االإسرائيلي بأي مخاطر أواحتلال العشرات من المواقع القيادية والمركزية في الأراضي السورية، بالقرب من المنطقة العازلة التي تم احتلالها أيضًا، في اليومين الأخيرين. والهدف هو منع الاستيلاء على المواقع السورية الفارغة التي تم التخلي عنها، وخاصة الأسلحة وقاذفات الصواريخ العديدة التي بقيت فيها، في أيدي التنظيمات المسلحة التي لم يتم التعرف عليها بعد أو لم تعرب بعد عن هويتها أو ارتباطها بالجولاني.