ما أشبه الليلة بالبارحة، فجأة وبلامقدمات، وخلال 11 يوماً فقط، سقطت المدن السورية الرئيسية، الواحدة تلو الأخرى، حتى وصل الأمر إلى العاصمة دمشق، عمت الفوضى، وانتشرت عمليات السلب والنهب، وجاءت الأنباء بوصول الرئيس السورى السابق بشار الأسد وعائلته، إلى موسكو، ومنحهم حق اللجوء لأسباب إنسانية، لتدخل الدولة السورية نفقاً، سبق أن دخلته دول أخرى فى المنطقة منذ سنوات، ولم تخرج منه حتى الآن، ليفرض السؤال الملح نفسه، حول خطورة مخطط تفكيك الدول، الذى تدفع الشعوب تكاليفه، فقراً وتشرداً ولجوءاً، وماهى الوسائل الكفيلة لمواجهته؟. أكد اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى، أن تفكك الدول له تأثير كبير جداً على الشعوب من حيث انهيار الرغبة فى العمل والبناء والعيش ويصاب بحالة من الإحباط وعدم الرغبة فى العيش ويؤثر على اتجاهاته،. وأكد أن علينا الالتفاف حول القيادة السياسية والعسكرية والعمل على توعية المجتمع سياسياً للتصدى للشائعات والأخبار الكاذبة التى تنال من الاستقرار وتهدف للخراب والفوضى. وأوضح الخبير الاستراتيجى أن علينا الأخذ بالدروس المستفادة من الأوضاع فى الدول المجاورة وأخرها سوريا والتى شهدت أحداثاً سريعة أسقطت الدولة فى مدة قصيرة جداً لذا علينا أن نقوى اقتصادنا واستثماراتنا للتصدى لكل قوى الشر التى تسعى للنيل منا. ◄ زعزعة استقرار المنطقة من جانبه كشف اللواء إبراهيم المصرى، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن القيادة السياسية فى مصر تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تعى جيداً المخططات التى تستهدف أمن الشرق الأوسط وعملت على رفع كفاءة القوات المسلحة للتصدى لأى محاولات من شأنها تهديد استقرار وأمن مصر.. وكشف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تنبأ بالأحداث التى وقعت فى 7 أكتوبر من العام الماضى بأنها ستشعل فتيل النار فى المنطقة وهو ما يحدث بالفعل الآن وشاهدناه فى سوريا وسقوطها فى أقل من أسبوعين بدعم قوى الشر التى تسعى لزعزعة الاستقرار فى المنطقة بالكامل. وأكد وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بالنواب أن انهيار الدول يجعل مستقبلها فى ظلام، وهو الأمر الذى يخشاه على سوريا بعد سيطرة الفصائل المسلحة على الحكم، مؤكدا أن انهيار سوريا والسودان جاء بسبب عدم توحيد الصفوف لذا يجب التعلم من التغيرات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط والالتفاف حول القوات المسلحة والتصدى للشائعات التى تستهدف أمن مصر القومى. ◄ حروب الجيل الرابع قال السفير رؤوف سعد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن تفكيك الدول أو اسقاطها، وراءه مخططات، تستخدم غالباً، أسلحة حروب الجيل الرابع، وأخطرها الشائعات والإعلام الموجه، وبالطبع تدفع الشعوب الثمن غالياً، كما نرى حولنا، فى الدول التى سقطت وتعيش أبشع أنواع فقدان الأمن والأمان، ناهيك عن الفوضى والنزوح والتشرد واللجوء للدول الأخرى.. وأضاف أن الوعى المجتمعى هو السلاح الأفضل لمواجهة الشائعات التى من الممكن أن تؤدى إلى خطر كبير يهدد استقرار الدولة.. وأشار إلى أنه فيما يخص الوضع السورى، هناك كما يبدو بالفعل أطراف خارجية تتدخل فى الأمر، ما يحتم علينا ايقاظ الوعى المجتمعى لدرء المخاطر التى تحيط بنا، فى منطقة الشرق الأوسط. وأوضح أن الوعي يجب أن يشمل جميع جوانب الحياة، وليس فقط التوعية بوجود مؤامرات، لأن خلق جو عام من الشعور، بأننا محاطون بالمؤامرات سيؤدى إلى نتائج عكسية. ◄ منهج استراتيجي وأشار السفير سعد إلى أهمية وجود إجراءات ومنهج استراتيجى يتعامل مع الشباب من الحضانة وحتى مراحل التعليم المختلفة، مع التركيز على الشفافية العامة.. وأوضح أن الشفافية تشمل المعلومات سواء فى الداخل أو الخارج، ويجب أن تكون المعلومات دقيقة وصحيحة.. وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الوعى يجب أن يبدأ من مناهج التعليم، حيث يجب أن تتضمن المناهج معلومات دقيقة عن تاريخ مصر دون مبالغة.. وأكد أن التاريخ هو أساس صنع التقدم، وبالتالى يجب أن يكون تاريخنا هو الأساس لغرس قيم الوطنية بين الشباب ◄ دور الإعلام وشدد على أهمية التواصل بين جميع أفراد الشعب، مشيراً إلى أن الإعلام يلعب دوراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، وأكد أن الإعلام يجب أن يتبنى لهجة ومنهجاً يعكس المصداقية، وأن يخاطب عقل وذهن الشعب المصرى بمختلف طوائفه، وهذا يتطلب عملية طويلة الأجل كى يستقر فى الأذهان والعقول أن ما يقدم من معلومات هى معلومات ذات مصداقية، كما يجب استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى لرفع الوعى الوطنى بشكل شامل ومتكامل. ◄ تعدد الولاءات من جانبه قال اللواء محمود منصور، الخبير العسكرى والاستراتيجى، إن مخططات تفكيك الدول تتم عبر الإخلال بالتماسك المجتمعى، وأكد أن مخططات الدول الاستثمارية تستهدف خلق تعدد فى الولاءات داخل المجتمعات، ومن بينها ولاءات لصالحها، عبر دعم العملاء الذين يساهمون فى زعزعة الترابط المجتمعى، مما يؤدى إلى انهيار الدول والدفع بالمجتمع إلى مرحلة الصدام.. وأشار إلى أن المرحلة الأولى من هذا الصدام يجب أن تُعالج مبكرًا، عن طريق امتلاك الحكومات للوعى الكافى لحماية شعوبها من الوقوع فى فخ العمالة والانقسام، قائلاً: «لقد وصلت بعض الدول العربية إلى مراحل خطيرة للغاية، أدت إلى انهيار الدولة وظهور حكومات متعددة، وأصبحت كل حكومة تدير قطعة معينة من الوطن، وهذا يعد أحد أشكال تفكيك المجتمعات». ◄ اقرأ أيضًا | تكليف «محمد البشير» بتشكيل حكومة سورية جديدة ◄ طوائف متعددة وتابع أن وجود طوائف متعددة داخل بعض الدول يُسهل تنفيذ مخططات التفكيك، إذ يتم استغلال تلك الطوائف عبر تلقينها أفكارًا ودعمها من جهات خارجية، لإيهامها بإمكانية السيطرة على البلاد وتولى زمام الأمور، مؤكدًا أن مثل هذه الدول تتطلب تحقيق الديمقراطية الحقيقية داخلها، بما يضمن مشاركة جميع التعددات الطائفية فى منظومة الحكم.. وشدد اللواء منصور على أهمية تنمية المواطن داخل الدولة، عبر تحسين التعليم، وتوفير الخدمات الصحية، وتعزيز الثقافة والتوعية الاجتماعية، معتبرًا أن هذه العناصر هى أساس بناء مجتمع قوى ومتماسك، قادر على التصدى لمخططات التفكيك. وأشار إلى أن دور المواطنين فى منع هذه المخططات يكمن فى توخى الحذر مما يسمعونه أو يشاهدونه من أخبار تتعلق بأوطانهم، مؤكدًا على ضرورة عدم الانسياق وراء محاولات التشويه الثقافى والسياسى التى تُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة.. وختم منصور حديثه بالقول: «المواطن يجب أن يدرك قيمة السلم الاجتماعى الذى ينعم به فى وطنه، وأن يحافظ عليه بكل السبل، كما ينبغى ألا ينجذب بانبهار للتجارب الغربية، فلكل دولة ظروفها الخاصة، مع التأكيد على ضرورة أن تبذل الحكومات أقصى جهودها لتوفير الخدمات الأساسية والاحتياجات للمواطنين». ◄ تكرار السيناريوهات فى نفس السياق، أكد اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، على خطورة مخططات تقسيم الدول التى تستهدف المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن هذه المخططات تعتمد على وسائل متطورة وممنهجة تهدف إلى إضعاف الدول وتقويض استقرارها لتحقيق مصالح قوى دولية كبرى.. وأوضح أن مواجهة هذه التحديات تتطلب وعيًا كبيرًا من المواطن وقدرته على تحليل الأحداث بمنظور شامل، قائلاً: «يجب أن نتمتع بنظرة ثاقبة للأمور، وتأمل ما يحدث فى المنطقة من أحداث، فمنذ عام 2003، عندما بدأ المشهد فى العراق، نشهد تكرارًا لنفس الشواهد والأساليب، مع محاولة مستمرة لإيجاد مسرح عمليات جديد، وتحديدًا فى منطقة الشام.. وأضاف: ما يحدث ليس عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية كبرى تنفذها قوى عظمى لتحقيق أهدافها، فالمنطقة المستهدفة حاليًا هى الدول العربية، وخاصة منطقة الشام، حيث تُستخدم رهانات مختلفة لتقسيم الدول وزعزعة استقرارها.. واستعرض اللواء العمدة السيناريوهات المتكررة، موضحًا: «بدأت المخططات بتونس، ثم مصر، وتوقفت لفترة، قبل أن تتحرك نحو دول الجوار كليبيا وسورياوالعراق، لتصل إلى السودان واليمن، والهدف الأساسى هو استهداف الأمن القومى العربى وتحقيق المصالح الكبرى لقوى عالمية، ومنها إسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تركيا التى حاولت إحياء مشروع الدولة العثمانية القديمة على حساب دول المنطقة. ◄ بث الشائعات أما عن أبرز الأدوات المستخدمة لتنفيذ هذه المخططات، قال اللواء العمدة: «تشويه الرموز الوطنية، والغزو الفكرى والثقافى، وتصدير ثقافات وقيم تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا، هى بعض الوسائل المستخدمة، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام الجديد دورًا كبيرًا فى السيطرة على العقول وبث الشائعات».. وأكد أن الشائعات تُعد من أبرز الركائز فى هذه المخططات، فهى جزء من الحروب النفسية، وهو أسلوب متبع فى الجيل الرابع من الحروب، وهذا يشمل نشر معلومات مغلوطة، وتشويه الرموز الوطنية، وضرب القيم الأساسية التى تمثل دعامة الأمن القومى، وعندما تُضرب هذه القيم، تتعرض الدولة لتهديدات وجودية تؤدى بها إلى الفشل.. وعن الأهداف النهائية لهذه المخططات، قال اللواء العمدة: «القوى الكبرى تسعى إلى تحقيق الهيمنة والسيطرة من خلال تحويل الدول العربية إلى كيانات ضعيفة، والهدف هو تحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية، مع تعزيز النفوذ التركى والإيرانى فى المنطقة، كما أن هذه المخططات تستهدف إعادة تشكيل المنطقة بشكل يخدم تلك القوى. ◄ وعي المواطن وشدد على ضرورة وعى المواطنين وإدراكهم لخطورة هذه المخططات، قائلاً: «المواطن هو خط الدفاع الأول، والتصدى لهذه التحديات يبدأ من الوعى والفهم الحقيقى لما يدور حولنا، وعلينا أن نكون يقظين أمام الشائعات ومحاولات الغزو الثقافى، وأن نحافظ على قيمنا وهويتنا».. واختتم بقوله إن ما يحدث ليس مجرد أحداث متفرقة، بل هو جزء من استراتيجية واسعة النطاق تستهدف مستقبل الدول العربية واستقرارها، والوعى واليقظة هما سبيل إفشال هذه المخططات. ◄ التمسك بالهوية من جانبها أكدت د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أهمية تعزيز الوعى المجتمعى، والتمسك بالهوية الوطنية فى ظل المخاطر التى تحيط بنا فى المنطقة، مشيرة إلى أن الوعى المجتمعى هو السلاح الذى يمكن من خلاله مواجهة المخاطر والتحديات التى تحيط بنا.. وأشارت إلى أن الأغانى الوطنية والأفلام التى تعزز الروح الوطنية قد اختفت بشكل كبير من المشهد الإعلامى، مما أثر سلبًا على الوعى الوطنى لدى الأجيال الجديدة. وأوضحت د. خضر أن الأغانى والمهرجانات الحالية لا تعكس الهوية الوطنية المصرية، بل تساهم فى تراجع القيم الوطنية.. وأكدت على ضرورة إعادة إنتاج الأغانى الوطنية الجميلة مثل «يا وطنى يا حبيبى» و«وطنى الأكبر»، واستبعاد الأغانى التى لا تتناسب مع القيم الوطنية.. كما أشارت إلى أهمية الأفلام الوطنية التى كانت تلعب دورًا كبيرًا فى تعزيز الوعى الوطنى، مثل مسلسل «رأفت الهجان»، الذى كان يعيد للأذهان القيم الوطنية الحقيقية، وأكدت على ضرورة إعادة إنتاج هذه الأعمال الفنية التى تساهم فى بناء الوعى الوطنى.. ودعت خضر إلى إعادة البرامج الإعلامية الموجهة للأطفال، مثل برامج نجوى إبراهيم، التى كانت تساهم فى غرس القيم الوطنية والأسرية فى نفوس الأطفال، وأكدت على أن تعزيز الوعى المجتمعى والتمسك بالهوية الوطنية هو السبيل لحماية الدولة الوطنية، وبناء مستقبل أفضل لمصر.