لقب الفاجومي الذي اكتسبه أحمد فؤاد نجم لم يأت من فراغ، فقد برع في وصف الأحداث، وأعطى بعد آخر للأماكن، والبشر، واستطاع أن يرسم بكلماته لوحات جمالية يتغنى بها كل من يعشق الفن، والموسيقى، ولعل تعاونه مع الشيخ إمام في تلحين وغناء العديد من قصائده أثمر عن العديد من الأغاني التي عبرت عن الحالة المصرية، ولكن مع مرور السنوات قدم نجم مع الملحن العبقري عمار الشريعي ثنائية أخرى أعطت لقصائده لغة ورؤية مغايرة لما قدمه في فترة السبعينيات، وعلى أي حال فإن إسهاماته لم تقتصر فقط على الأغاني السياسية، بل امتدت لتشمل أغنيات تترات المسلسلات، مما جعل كلماته ترافق الجماهير في كل مكان. كتب أحمد فؤاد نجم وألف عن الحياة والناس، والمدن، وترجمت كلماته الكثير من الأعمال الدرامية الخالدة سواء في تترات البداية أو الختام، فالرجل الذي اشتهر بالغناء عن رحيل شي جيفارا، ورافقت أغانيه الحراك السياسي في مصر إبان نصر أكتوبر، تحول لموثق تاريخي للفن المصري بأغان لا زالت في الأذهان.. البحر بيضحك ليه.. أغنية قدمها من قبل الثنائي الشيخ إمام ونجم، لكنها حملت معان أخرى عندما قدمها محمد منير في فيلم حكايات الغريب الذي كان يرصد معاناة المجتمع، وتتناول بسخرية حالة الفوضى واليأس التي كان يعيشها المصريون بعد نكسة 67، فالأغنية تعبر عن استنكار الشاعر للوضع الاجتماعي والسياسي المتدهور في البلاد، حيث يقارن بين ضحك البحر واستمراره في الحياة، وبين الفوضى التي كانت تعصف بالناس وقتها، وتحولت فيما بعد لأغنية من أغاني التراث التي يقدمها فنانون أخرين مثل محمد محسن، وغيره.. من من هذا الجيل لا يتذكر غناء محمد سعد ضمن فيلم الطريق إلى إيلات بأغنية مصر ياما يا بهية؟؟.. هذه الأغنية بالتحديد هي من أيقونات الأغاني الوطنية التي تحتفي بمصر وشعبها، وغناها الشيخ إمام وأصبحت رمزًا للحب الوطني والانتماء لمصر، وفي هذه الأغنية، يستخدم نجم كلمات مليئة بالعاطفة، مشيدًا بجمال مصر وتاريخها العظيم، والأغنية تظل واحدة من الأغاني التي تحمل في طياتها حبًا عميقًا لمصر، وتعبيرا عن اصرار المصريين على التحدي ضد كل الصعاب.. لم تكن أعمال نجم قاصرة على الأغاني الثورية والسياسية، بل قدمت أيضًا إسهامات هامة في تترات المسلسلات المصرية، واستخدام أشعاره في الدراما المصرية أضفى بعدًا جديدًا لها، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للأجيال. أنا وانت وبابا في المشمش.. هذه الأغنية التي غنتها فردوس عبد الحميد كانت جزءًا من مسلسل يحمل نفس الاسم، وكلمات الأغنية تحمل طابعًا فلسفيًا ساخرًا، تعكس بساطة الكلمات وروح النكتة التي كانت تميز أعمال نجم.. وفي نفس الفترة غنت سعاد حسني مجموعة من أغاني نجم في مسلسل هو وهي، وأيضا قدمت السندريلا أغان لنجم في أعمالها مثل أغنية بانو بانو.. اقرأ أيضا: كليوباترا والفاجومى فى «صندوق الدنيا» عاشق الاسكندرية الإسكندرية كان لها عشق خاص لدى أحمد فؤاد نجم، فهي المدينة التي عبر عن حبه وعشقه لها بكل جوارحه الإنسانية والشعرية، وغنى لبحرها ورمالها، ولرموزها من الصيادين، والخواجات، وحتى ريا وسكينة وسيد درويش، وهو ما ظهر جليا في تترات مسلسل زيزينيا التي غناها محمد الحلو في العمل الذي كتبه أسامة أنور عكاشة، واحتفى بجمال مدينة الإسكندرية، فكلمات نجم في هذه الأغنية كانت مليئة بالعشق للمدينة وتاريخها العريق، ووصف الإسكندرية بطريقة تجعل المستمع يشعر كأنه يعيش فيها، مليئة بالسحر والحنين، وقال: " إسكندرية تاني.. وأه من العشق ياني.. والرمل الزعفراني.. على الشط الكهرماني.. والسحر اللى احتويته والبحر اللى احتواني.. والبحر أبو ألف موجة والموجة بألف حالة.. وانا المغرم صبابة باسكندرية يابا.. وفكرة كونى انسى فى حكم الاستحالة" ولم يتوقف ابداع نجم عن الإسكندرية ليعود في مسلسل ريا وسكينة الذي قامت ببطولته عبلة كامل ليقدم رائعة أخرى وهي تتر البداية بعنوان " إسكندرية المحروسة"، والتي لخط الحالة السكندرية لأحمد فؤاد نجم بكلمات بسيطة ومتتابعة.. مسلسل حضرة المتهم أبي أيضا حمل توقيع نجم من خلال أغنية " نازل وأنا ماشي" من غناء مدحت صالح، ويعبر تتر مسلسل "حضرة المتهم أبي" عن مشاعر الفقد والألم الناتجة عن الظلم الاجتماعي، وفي كلماتها، يظهر نجم عبقريته في التعبير عن معاناة كثير من الشباب، وعلاقتهم المتوترة مع ابائهم، ويقول نجم عن هذه الأغنية أنه كان يتخيل ابنته وهي تعاتبه أثناء كتابة هذه الكلمات، وأثناء غناء مدحت صالح للأغنية بقي ساعات يحاول غنائها داخل الاستوديو لدخوله في حالة بكاء تأثرا بكلمات نجم، وألحان ياسر عبد الرحمن تامر حسني أيضا قدم تتر مسلسله أدم التي تغنى فيها بأشعار نجم الذي يعبر عن النضال الفردي في مواجهة المجتمع.. كلمات الأغنية تتحدث عن الصمود والتحدي، وتحمل رسالة أمل بأن الحق سينتصر في النهاية، حتى لو كان الظلم مسيطرًا. أحمد فؤاد نجم لم يكن مجرد شاعر يكتب عن السياسة فقط، بل كان شاعرًا يعبر عن كل جوانب الحياة المصرية، من النضال والثورة إلى الحب والأمل.. فأعماله الفنية امتدت عبر الزمن لتصبح جزءًا من التراث الثقافي المصري، سواء من خلال الأغاني التي غناها الشيخ إمام أو تلك التي زينت تترات المسلسلات المصرية، ورغم رحيله الجسدي، إلا أن كلماته ستظل دائمًا في قلوب المصريين وفي ذاكرتهم، فهي ليست مجرد كلمات، بل تعبير عن أحلامهم وآمالهم البسيطة..