قبل أن نتعرض لظهور الإسلام وما جرى من اليهود ولهم بعده يجدر بنا أن نتوقف قليلا مع تواجد اليهود فى المنطقة العربية ومتى وكيف كانت البداية، فلذلك أهميته القصوى فى تحديد علاقتهم بالمنطقة العربية وإلى ماذا ترنو أبصارهم بعيدا عن فلسطين؛ فقد اشتدت هجرة اليهود إلى الأرجاء العربية منذ القرنين الأول والثانى بعد الميلاد، لضيق فلسطين بكثرة سكانها، ومهاجمة الدولة الرومانية لها حول القرن الأول قبل الميلاد، وإلغاء الدولة اليهودية، وإخضاع فلسطين للحكم الروماني، وثورات اليهود عليه؛ مما كان من أثره خراب فلسطين وتدمير هيكل بيت المقدس وتشتيت اليهود. وجاء فى كتاب الأغاني: «إنه لما ظهرت الروم على بنى إسرائيل جميعًا بالشام فوطئوهم وقتلوهم ونكحوا نساءهم، وخرج بنو النضير وبنو قريطة وبنو نهدل - من القبائل اليهودية - هاربين منهم إلى من بالحجاز من بنى إسرائيل، وكانت فلسطين يومئذ غنية بالصناعات والمتاجر وبالقمح والشعير والزيتون والتمر والعنب للاستهلاك والتصدير. على أن اليهود المهاجرين والمقيمين فى البلاد العربية قد أقاموا هناك الحصون والآطام على قمم الجبال، وذكر ابن هشام فى سيرته والبلاذرى فى فتوح البلدان وغيرهما: «أن اليهود قد حفروا فى بلاد العرب الآبار وأخذوا الربا وربوا الماشية، وعنوا بالنسيج والصياغة وصنع الأسلحة، وأن العرب كانوا يرهنون عندهم الأمتعة ليستدينوا منهم ما يحتاجون إليه» أما لغتهم هناك فكانت العربية مشوبة بالرطانة العبرية التى كانوا يستخدمونها فى صلواتهم. كذلك قرض اليهود الشعر بالعربية. أيضا يؤخذ مما رواه الواقدى وابن هشام فى الجزء الأول أن أفرادًا من اليهود كانوا يجيئون إلى مكة للتجارة وغيرها، وأن المكيين أنفسهم كانوا يقصدون إلى خيبر ليجلبوا منها حلى آل أبى الحقيق، وأن قليلًا من اليهود قد سكنوا مكة والطائف وغيرهما. هذا عن اليهود فى الجزيرة العربية ماقبل الإسلام،فماذا عنهم بعد ظهور الإسلام وماذا فعلوا؟..وللإجابة نستكمل الرحلة.