يعتقد بعض المديرين عندما يفرق في العلاقات الطيبة بين الموظفين فإنه سوف يُسيطر عليهم، وأن يستحوذ على المشهد الإداري، هذه الإستراتيجية القديمة، التي عُرفت ب "فرق تسد" لا تحقق أهدافًا إدارية حقيقية، وتخلق بيئة عمل سامة، إلا أنه رغم قدمها، وما شهدة العالم من تطور في الإدارة، لا تزال تُطبق في بعض الأحيان في بيئة العمل المعاصرة، والتي قد يكون لها عواقب وخيمة على المؤسسة. وتعتبر سياسة "فرق تسد" تكتيك يستخدمه المديرين؛ لتقسيم مجموعة من الأفراد أو الجماعات؛ بهدف السيطرة عليهم بشكل أسهل، وفي سياق العمل، قد يتجلى ذلك في صورة تشجيع المنافسة غير الصحية، من خلال تحويل بيئة العمل إلى ساحة معركة حيث يتنافس الموظفون فيما بينهم على المكافآت والترقيات، مما يؤدي إلى تآكل روح الفريق، أو نشر الشائعات، حيث يتم إطلاق شائعات كاذبة لزعزعة الثقة بين الموظفين، هذا بالإضافة إلى تفضيل بعض الموظفين على الآخرين، وخلق انقسامات واضحة بينهم. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يعتقد بعض المديرين أن هذه السياسة فعالة؟ يدفع الخوف من فقدان السيطرة بعض المديرين إلى تبني سياسات تفرق بين الموظفين، قد يخشى هؤلاء المديرون من أن يتحول فريق عمل مُتماسك إلى تهديد لسلطتهم، أو ربما ينبع هذا الخوف من عدم ثقتهم بقدرات الموظفين على التعاون بفعالية، بالإضافة إلى ذلك، قد يلجأ بعض المديرين إلى هذه السياسات بسبب نقص في مهارات الإدارة فبدلاً من بناء فريق متماسك، يجدون أن السيطرة الفردية هي الأسهل. على سبيل المثال، قد يفضلون إعطاء أوامر واضحة بدلاً من تشجيع المُبادرة، أو قد يخشون من مشاركة المعلومات مع الموظفين خوفًا من أن يستغلوا ذلك لصالحهم، هذه السلوكيات قد تعكس أيضًا رغبة المدير في الحفاظ على صورته كشخص لا يمكن الاستغناء عنه، أو شعوره بعدم الأمان في موقعه القيادي. وتعتبر سياسة "فرق تسد" هذه السياسة الخفية سمًا قاتلًا في بيئة العمل، وتناقض صارخ مع مبادئ الإدارة الحديثة التي تؤكد على أهمية العمل الجماعي والتعاون، حيث تؤدي هذه السياسة إلى عواقب وخيمة، كما سبق القول على جميع المستويات فبدلاً من تعزيز التعاون والإبداع، تخلق هذه السياسة بيئة عمل سامة، والتي عرفتها الدكتورة ميندي شوس، أستاذة وعالمة نفس بجامعة وسط فلوريداالأمريكية، بكلمة واحدة" الخوف"، حيث يتسلل الخوف إلى كل أركانها، ويحولها إلى سجن نفسي للموظفين، هذا الخوف الناجم عن الصراعات الداخلية، والترهيب، والإهانات، يقضي على الإنتاجية والإبداع، والحماس، ويحول الموظفين إلى مجرد آلات خائفة. ونتيجة لذلك يسود جوًا من التوتر والشك، وعدم الثقة بين جميع الأطراف؛ فالموظفون يخشون على وظائفهم ومكانتهم، بينما يسعى المديرون جاهدين للحفاظ على سلطتهم ومصالحهم الشخصية، هذا الصراع المُستمر يؤدي إلى تدهور العلاقات بينهم وتراجع الإنتاجية، مما يخلق بيئة عمل سامة. ويشير علماء النفس إلى أن هذه البيئة السامة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية للموظفين، ويصبحون عرضة للإرهاق والإجهاد، نتيجة لشعورهم بالإحباط والتهميش، وتقلل من ولائهم للشركة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الغياب وانخفاض الإنتاجية، مما يدفع الموظفين الموهوبين إلى البحث عن فرص عمل أفضل في بيئات أكثر صحة ودعمًا. حيث كشفت دراسة نشرت عام 2022 في مجلة "MIT Sloan Management Review" ، أن ثقافات العمل السامة، التي تتغذى على التمييز، وعدم الاحترام والسلوكيات غير الأخلاقية، هي الدافع الرئيسي لهجرة الموظفين، وخلصت الدراسة إلى أن هذه الثقافات تتفوق على عوامل أخرى، مثل انعدام الأمن الوظيفي في دفع الموظفين إلى ترك أعمالهم. مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة معدل دوران الموظفين، فبيئة العمل السامة ليست مجرد مشكلة أخلاقية، بل هي تهديد مباشر لاستدامة الأعمال. لذلك، يجب على المديرين والموظفين على حد سواء أن يكونوا على دراية بالعلامات التحذيرية لبيئة العمل السامة؛ فبيئات العمل السامة، والتي تنشأ نتيجة لاستخدام المديرين لسياسة "فرق تسد" أصبحت حاليًا أكثر انتشارًا من أي وقت مضى، وهو ما يفرض على المديرين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة لمعالجتها قبل أن يتفاقم الوضع. باختصار، يمكن القول أن سياسة "فرق تسد" تعتبر سلوكًا سلبيًا في بيئة العمل، ونهج قصير النظر، وغير فعال في إدارة الموظفين، إن القيادة الفعالة لا تتلخص في فرض السيطرة، بل في بناء فرق قوية ومُتماسكة، لذا، يجب على المديرين التركيز على بناء هذا الفريق، وإيجاد بيئة عمل إيجابية ومحفزة، من خلال بناء علاقات قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل، وتشجيع التواصل المفتوح والصريح بين جميع أفراد الفريق، والاستماع الفعال لآرائهم ومقترحاتهم، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الجماعي، وحل المشكلات بشكل مشارك، وتبادل الخبرات والمعرفة. ومن السياسات الفعالة أيضًا والتي يمكن اعتمادها لتعزيز أداء الفريق هي سياسة "تمكين الموظفين، من خلال منحهم الاستقلالية في اتخاذ القرارات، وحل المشكلات، وتشجعهم على التفكير الإبداعي والمساهمة في تطوير العمل، كما أن الاعتراف بإنجازاتهم وتقديم الحوافز المناسبة، يزيد من التزامهم وتحفيزهم على تحقيق أهداف المؤسسة، وبالتالي يعزز من شعورهم بالمسؤولية والانتماء إلى المؤسسة. وتؤكد أستاذة علم النفس بجامعة وسط فلوريداالأمريكية، على ضرورة إجراء عمليات تدقيق لسلامة ورفاهية الموظفين؛ لتقييم ما إذا كان الموظفون يشعرون بالدعم والتشجيع والعدالة في المعاملة، وقالت إن المؤسسات يجب أن تبني ثقافة الاحترام والسلامة. كما كشفت دراسة علمية حديثة نشرت عام 2021 في مجلة علم النفس المهني الصحي، أن البرامج التدريبية المُوجهة لتعزيز صحة ورفاهية الموظفين، تُساهم بشكل كبير في زيادة رضا الموظفين وخفض معدلات ترك العمل، كما تمكن هذه البرامج المديرين من بناء بيئات عمل أكثر صحة وداعمة. واخيرًا، أن سياسة "فرق تسد" ليست مجرد إستراتيجية فاشلة، بل هي سُم يقضي على روح الفريق والإبداع في أي مؤسسة بدلًا من ذلك، يجب على المديرين أن يتبنوا دور القائد المُحفز الذي يبني علاقات قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل؛ فالمؤسسات التي تستثمر في بناء فرق عمل متماسكة، وتحفز موظفيها على تحقيق أقصى إمكاناتهم هي التي ستحقق النجاح على المدى الطويل.