أثيرت العديد من التكهنات، حول مدى استمرارية «حلف الناتو»، خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية ثانية، في ظل قناعة عدد من المسؤولين الأوروبيين، بأن «ترامب» بالمهام التي يقوم بها «الناتو»، الأمر الذي قد يشير إلى إنهاء التزامات الولاياتالمتحدة تجاه الحلف، بعد تولي ترامب الرئاسة رسميًا يناير القادم. وتوقع العديد من خبراء السياسة، قيام الأوروبيين بالتحضير لقمة لاهاي، المزمع عقدها في يونيو 2025 لإنقاذ الحلف. ◄ مخاوف الناتو وركّز المركز الأطلسي المتخصص في الشئون الدولية، على أهمية المسؤوليات الاستراتيجية لأوروبا، والاتفاق على السُبل التي تمكنهم من إزالة بعض الأعباء الدفاعية عن الولاياتالمتحدة، وذلك في ظل النمو الاقتصادي الضعيف التي تواجهه الدول الأوروبية، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يواجه الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي «مارك روته»، المعروف عنه بعلاقاته الودية مع ترامب، أعباء كبيرة نظرًا لانتمائه ليمين الوسط، ومع مهاراته في صنع الصفقات من المتوقع أن تكون لأوكرانيا الأولوية في جدول الأعمال بينهما. ويُرجح المركز، أن «ترامب» قد يفكر في التوصل إلى تسوية سريعة للحرب، في ظل استمرار سيطرة روسيا على بعض الأراضي الأوكرانية، الأمر الذي قد يدعو «روته» إلى التركيز على أن المصالح الأمنية للولايات المتحدة تكمن في منع النصر الروسي وصياغة مبادرة بهذا الشكل. ◄ أمن أوكرانيا وأياً كانت شروط وقف إطلاق النار، فإن المفتاح إلى السلام الدائم سوف يتمثل في الالتزام الغربي القوى بأمن أوكرانيا على المدى الطويل، ما يضعهم أمام خيارين هما: 1- التركيز الأوروبي على ضرورة منح أوكرانيا عضوية حلف الناتو وهو ما قد يرفضه ترامب 2- إعطاء الأولوية لانضمام «كييف» للاتحاد الأوروبي والتي تتضمن الالتزام الدفاعي الأضعف إلى حد ما بموجب المادة 42.7، تتبعها نشر قوات أوروبية في أوكرانيا في مرحلة ما بعد الصراع للتأكيد على التزامها المعلق والتعهد بتقديم أغلب المساعدات العسكرية الطويلة الأجل لكييف. ورغم صعوبة الخيارات، إلا أن الإنفاق العسكري الصيني خاصة على الأصول البحرية، والصواريخ، والأسلحة النووية يتحدى الهيمنة العسكرية التقليدية للولايات المتحدة في شرق آسيا، وهو ما تستهدفه الإدارة المقبلة للحفاظ على قوة الردع في تلك المنطقة، لاسيما بعد تورطها في الحرب الأوكرانية والشرق الأوسط الأمر الذي يتطلب معه إعادة النظر في التحالفات والشراكات لديها. ◄ الخطط الدفاعية لأوروبا ويشير المركز الأطلسي إلى أن أمام حلف الناتو فرصة حقيقية، في زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي لهم، حيث يحتاج إلى تشجيع الدول التسعة من أصل 32 دولة إلى تحقيق هذا الهدف مع انعقاد القمة القادمة للحلف عام 2025، وعدم خسارة الولاياتالمتحدة كحليف استراتيجي وتخفيف الأعباء الدفاعية عليها، لا سيما وأن التعهد بذلك مقدمًا قد يبقي الولاياتالمتحدة في الحلف، ويمكن أن ينسب الفضل لترامب، بينما يصبح حلف شمال الأطلسي أقوى. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يستهدف الإنفاق الدفاعي الجديد متطلبات محددة تتمثل في: 1- تطوير قوات أوروبية كافية لتلبية الخطط الدفاعية الجديدة للقارة التي وضعها القائد الأعلى للحلفاء في أوروبا. 2- شراء ما يكفي من أدوات التمكين لتغطية العجز الأوروبي الهائل في هذا المجال منها، النقل الاستراتيجي، والتزود بالوقود جواً، والاستخبارات التشغيلية الحديثة، والاتصالات، والقيادة والسيطرة. 3- بناء أصول بحرية أوروبية إضافية من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بنقل العديد من قواتها البحرية إلى آسيا دون الإضرار بدفاعات الناتو. ◄ استقطاب الولاياتالمتحدة إن تلبية هذه المتطلبات سوف تستلزم تعزيز التعاون والابتكار في مجال الصناعة الدفاعية الأوروبية، بحيث تكون هذه مهمة الاتحاد الأوروبي، ولكن يجب تصميم البرامج بطريقة لا يتم فيها استبعاد شركات الدفاع الأمريكية وتقنياتها، ما يحدث التكامل بينهما. ويشدد المركز الأطلسي، على أهمية تعزيز الخطوات المتعلقة بالميزانية من خلال نشر القوات الأوروبية على نطاق أوسع، بالتزامن مع عمليات الانتشار المتقدمة المعززة لحلف الناتو في ثمانية دول على خط المواجهة، وترقيتها إلى مستوى اللواء، وتزويدها بمدفعية بعيدة المدى ودفاعات جوية، وزيادتها بمخزونات جاهزة للتعزيزات المستقبلية، وستكون مساهمة الولاياتالمتحدة هي تعزيز وجودها في بولندا. اقرأ أيضا| غموض حول مصير الناتو.. ترامب يهدد بالانسحاب من الحلف بسبب الإنفاق الدفاعي وفي إطار النطاق العالمي، يتعين على «قمة يونيو» أن تعمل على تقسيم جديد للمسؤولية بين منظمة حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، والولاياتالمتحدة. وهذا من شأنه أن يخفف العبء على الولاياتالمتحدة بشكل أكبر. كما ستكون المسؤولية الأساسية للحلف هي الدفاع عن منطقة معاهدته. ◄ المشاركة الآسيوية أما عن مسئوليات «الناتو» في منطقة الشرق الأوسط، يقول المركز الأطلسي، أنه قد تكون هناك مسؤولية مشتركة بقيادة أميركية، بالتزامن مع تأكيد الارتباط بين الأمن الآسيوي والأوروبي، حيث يدفع الدور القتالي الأخير الذي لعبته كوريا الشمالية في حرب أوكرانيا إلى أهمية الترابط بينهما. ومن المؤكد أن المشاركة الآسيوية في مؤتمرات قمة حلف شمال الأطلسي، وإنشاء مكاتب اتصال جديدة للحلف في آسيا، وتحذير الصين من العواقب الوخيمة لغزو تايوان، والمشاركة في المزيد من تدريبات حرية الملاحة مع الولاياتالمتحدة، تستطيع الدول الأوروبية أن تساهم بشكل أكبر في دعم الولاياتالمتحدة. ◄ الحرب التجارية ولفت المركز الأطلسي، إلى النظر لاستراتيجية مكملة لما سبق، تكمن في أهمية معالجة اختلال التوازن النووي بين روسيا وأوروبا، لاسيما وأن الردع النووي الاستراتيجي للولايات المتحدة هو الذي حافظ على السلام خلال الحرب الباردة، محذرًا من عواقب سحب واشنطن المظلة النووية من أوروبا، كجزء من انسحابها من الناتو. وقد تحتاج القوتان النوويتان في أوروبا، بريطانيا وفرنسا، إلى إعادة النظر في موقفهما الحالي المتمثل في الحد الأدنى من الردع، حيث يرى أنه بدون المظلة النووية الأميركية، فإن أوروبا ستكون أكثر عرضة للابتزاز النووي الروسي، ومن المرجح أن تكون هذه مناقشة في الغرف المغلقة في قمة لاهاي. واستنادا لما سبق، يشكل جدول أعمال قمة لاهاي 2025، مهمة شاقة، خاصة في حال إذا اندلعت حرب تجارية بين الولاياتالمتحدة وأوروبا بسبب التعريفات الجديدة التي وعد بها ترامب، لكن المخاطر الأمنية المرتفعة قد تطغي علي تلك الخلافات، وأن الوقت قد حان لكي تكثف أوروبا جهودها، وتلعب الدور الأمني المعزز الذي ينبغي أن تلعبه، وتنقذ حلف شمال الأطلسي في هذه القمة.