فى عصر التكنولوجيا المتقدمة والابتكارات الرقمية، أصبحت الأجهزة الإلكترونية جزءًا لا من حياتنا اليومية، ونعتمد على الأجهزة الإلكترونية لتسهيل حياتنا وتحسين كفاءتنا، ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا يفرز تحديات جديدة، أبرزها تحدى المُخلفات الإلكترونية، التى تعتبر من التحديات البيئية المستعصية التى تواجه مصر والعالم بأسره، ومع التقدم التكنولوجى المتسارع وزيادة استخدام الأجهزة الإلكترونية تتزايد كمية المُخلفات الإلكترونية بشكل كبير، مما يتطلب حلولاً فعالة، ومستدامة لإدارتها ،والتخلص منها بطرق آمنة، فانبعاثاتها تزيد خطورة الإصابة بالسرطان، وغيرها من الأمراض الخطرة. وعلى النقيض، يمكن أن تتحول هذه المخلفات إلى منافع كثيرة إذا ما تم إعادة تدويرها بالشكل الأمثل والمخلفات الإلكترونية، تشمل الأجهزة الإلكترونية، والكهربائية التى لم تعد تستخدم أو أصبحت غير صالحة للاستخدام، فهذه المخلفات تحتوى على مواد خطرة مثل (الرصاص، الزئبق، الكادميوم)، التى يمكن أن تسبب أضراراً بيئية، وصحية جسيمة إذا لم يتم معالجتها، وإدارتها بشكل صحيح وبطرق آمنة بيئياً، بالإضافة إلى ذلك تحتوى على مواد قيمة مثل الذهب والفضة والنحاس التى يمكن إعادة تدويرها واستخدامها مرة أخرى. وللعديد من الدول تجارب فى مكافحة إخطار انبعاثات المخلفات الإلكترونية، ففى عام 2022، تم توليد كمية قياسية من المخلفات الإلكترونية بلغت 62 مليون طن على مستوى العالم، أى ما يعادل متوسط 7.8 كجم للفرد سنويًا وقد تم توثيق 22.3 % من هذه الكتلة من المخلفات الإلكترونية على أنه تم جمعها وإعادة تدويرها بشكل رسمى بطريقة صديقة للبيئة. اقرأ أيضًا | «البقعة المباركة».. في قلب التطوير| مشروعات عملاقة بجنوب سيناء.. والسياحة بالمقدمة فمنذ عام 2010 إلى عام 2022، زادت كمية المخلفات الإلكترونية المنتجة، وكذلك كمية المخلفات الإلكترونية الموثقة التى تم جمعها وإعادة تدويرها بشكل رسمى، وذلك من 34 مليون طن إلى 62 مليون طن، ومن 8 ملايين طن إلى 13.8 مليون طن، على التوالى وبالتالى، منذ عام 2010، فإن نمو تولد المخلفات الإلكترونية يتفوق على الجمع الرسمى وإعادة التدوير بمقدار يقارب 5 أضعاف، ومن المتوقع أن يتولد 82 مليون طن من المخلفات الإلكترونية فى عام 2030، وبناءً عليه، ستنخفض نسبة معدلات الجمع وإعادة التدوير الرسمية الموثقة إلى 20% فى عام 2030. وتختلف معدلات الجمع وإعادة التدوير الرسمية الموثقة بشكل كبير عبر المناطق المختلفة، ففى عام 2022، كانت أوروبا هى المنطقة التى أنتجت أكبر كمية من المخلفات الإلكترونية (17.6 كجم للفرد) وكان لديها أعلى معدل موثق للجمع وإعادة التدوير (7.5 كجم للفرد)، حيث أعادت تدوير نسبة 42.8 % من المخلفات الإلكترونية المنتجة، وكانت الدول الإفريقية لديها أدنى معدل، حيث تم توثيق أقل من 1% من المخلفات الإلكترونية على أنه قد تم جمعها وإعادة تدويرها بشكل رسمى. إحصائيات عالمية وطبقاً للإحصائيات العالمية، بلغ حجم المخلفات الإلكترونية المتولدة فى مصر 692 ألف طن بمختلف أنواعها (أجهزة منزلية كبيرة وصغيرة، وأجهزة اتصالات وتكنولوجيا معلومات، وأجهزة طبية ... إلخ) أى ما يعادل حوالى 6.3 كجم/ فرد، وطبقًا للدراسات المحلية التى تم إعدادها على المخلفات الإلكترونية المتولدة من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى مصر فقد قدر حجم المخلفات الإلكترونية المتولدة حوالى 73 ألف طن فى عام 2015 و85 ألف طن فى عام 2019 أى بمعدل زيادة سنوية 3.14 %. وتتولد المخلفات الإلكترونية من ثلاثة مصادر، والمسئول عن النسبة الأكبر هو القطاع الخاص حيث إنه أكبر مولد للمخلفات بنسبة تبلغ (58%) تليها الأسر (23%) والقطاع الحكومى (19%). وقد استفادت وزارة البيئة من تجارب الدول الأخرى صاحبة الخبرة فى هذا المجال وأدرجت مفهوم المسئولية الممتدة للمنتج فى قانون تنظيم إدارة المخلفات لضمان وصول المخلفات إلى المصانع الرسمية، والتخلص الآمن منها، وجار الآن العمل على تطبيق مبدأ المسئولية الممتدة للمنتج، أو المستورد للسلع الإلكترونية حتى تكون هناك مسئولية عن إدارة تلك المخلفات بعد انتهاء صلاحيتها، وكذلك إعداد قائمة المراجعة والتدقيق الخاصة بالمراجعة البيئية على الشركات والمصانع الخاصة بإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية وذلك بالاستعانة بلوائح الدول الأوروبية. تهدد صحة الإنسان وتعتبر المخلفات الإلكترونية واحدة من أسرع مصادر النفايات نموًا، وعلى الرغم من أن النفايات الإلكترونية تحتوى على مجموعات معقدة من المواد شديدة السمية التى تشكل خطراً على الصحة والبيئة، فإن العديد من المنتجات تحتوى أيضًا على مواد ثمينة قابلة للاسترداد، مما يجعلها نوعًا مختلفًا من النفايات تدعم الاقتصاد الوطنى وتسهم فى تحقيق التنمية المستدامة، من خلال توفير المواد الخام للصناعة وتوفير الجهد والمال لاستيراد أو استخراج بدائل المخلفات المعدمة. فإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية بصورة عشوائية تؤثر سلبًا على صحة الإنسان، وتعرض العمال فى محيط العمل لعدد من المواد السامة، وعند حرق المخلفات الإلكترونية فى الهواء فإن ذلك يزيد من تركيز الديوكسينات فى المناطق المحيطة، وتتسبب هذه السموم فى زيادة خطر الإصابة بالسرطان إذا استنشقها العمال والسكان المحيطون بالمكان، ويمكن أن تدخل المعادن السامة والسموم إلى مجرى الدم أثناء الاستخراج اليدوى للمعادن، ويتعرض العمال باستمرار للمواد الكيميائية السامة وأبخرة الأحماض عالية التركيز. اضطرابات عصبية كما تسبب عملية استعادة النحاس القابل لإعادة البيع عن طريق حرق الأسلاك المعزولة اضطرابات عصبية، وكذلك فالتعرض الحاد للكادميوم، الموجود فى أشباه الموصلات ومقاومات الرقائق، يمكن أن يتلف الكلى والكبد ويسبب فقدان العظام، كما أن التعرض طويل الأمد للرصاص فى الدوائر المطبوعة يمكن للوحات وشاشات الكمبيوتر والتليفزيون أن تلحق الضرر بالجهاز العصبى المركزى والمحيطى والكلى، والأطفال أكثر عرضة لهذه الآثار الضارة. وعلى الرغم من أن الإلكترونيات تشكل جزءًا لا غنى عنه من الحياة اليومية، فإن آثارها الخطرة على البيئة لا يمكن التغاضى عنها أو التقليل من شأنها، فهناك عدد من الطرق المحددة التى يمكن أن تؤدى إعادة تدوير النفايات الإلكترونية من خلالها إلى الإضرار بالبيئة، حيث يؤدى الحرق لاستعادة المعادن من الأسلاك والكابلات إلى انبعاثات الديوكسينات والكلور، مما يتسبب فى تلوث الهواء. كما أنه فى أثناء عملية إعادة التدوير العشوائى يمكن أن يدخل الغبار الناتج أيضًا إلى التربة أو أنظمة المياه، ويمكن أن تتسرب إلى الأرض وتتسبب فى تلوث التربة والمياه، وتصبح التربة سامة عندما تترسب مواد مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ وثنائى الفينيل متعدد الكلور من مدافن النفايات. مشروع خفض الانبعاثات وفى هذا الصدد، أكدت د.ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، أن نجاح منظومة إدارة المخلفات بمختلف أنواعها، هو أحد أهم أولويات وزارة البيئة خلال المرحلة القادمة، وقطعت الوزارة شوطاً كبيرا لتحسين هذه المنظومة بوجه عام وخاصة ما يتعلق المخلفات الإلكترونية. وأشارت الوزيرة، إلى أن مصر تسعى من خلال مشروع «خفض انبعاثات الملوثات العضوية الثابتة غير المتعمدة» الذى يعد أحد أهم المشروعات الحالية التى تنفذها الوزارة، من خلال منحة مقدمة من مرفق البيئة العالمية ( (GEf بقيمة 9.13 مليون دولار أمريكى، إلى تعزيز الوصول إلى بيئة نظيفة ومستدامة، وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمخلفات الإلكترونية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة، ودعم الاقتصاد الأخضر، وتحقيق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050. وأكدت ياسمين فؤاد أن المشروع يهدف إلى دعم خطة العمل الوطنية للملوثات العضوية الثابتة والوفاء بمتطلبات اتفاقية استكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة (POPs)، وتحقيق اهداف استراتيجية تغير المناخ 2050، وتبنى مبادئ الاقتصاد الدوار والتزام الحكومة المصرية وجهودها للتحول إلى الاقتصاد الأخضر وتوفير فرص عمل خضراء، من خلال الإدارة المتكاملة والمستدامة للمخلفات الالكترونية ومخلفات الرعاية الصحية، وكذلك دعم الإطار التنظيمى والسياسات واللوائح الفنية، من خلال توفير المعلومات والوعى بإدارة المخلفات وإعادة تدويرها وخاصة فيما يتعلق بقانون المخلفات 202 لعام 2020 ولائحته التنفيذية. لوائح تنظيمية وأوضحت وزيرة البيئة أن المشروع يدعم السيطرة الفعالة على المخلفات الإلكترونية، وتقديم النماذج والحلول سواء بوضع استراتيجيات وسياسات ولوائح تنظيمية وإصدار تعليمات فنية بشأن الإدارة الآمنة والفعالة للأجهزة الإلكترونية والكهربائية الجديدة والمستعملة حتى تصل إلى نهاية دورة حياتها وتصبح مخلفات، فضلا عن تقديم المساعدة الفنية وبناء القدرات للجهات الرئيسة التابعة للقطاعين العام والخاص، من أجل تبنى و تنفيذ سياسات المسئولية الممتدة للمنتج، وتقديم المساعدة الفنية للمصانع والعاملين بإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، من أجل تعزيز الكفاءة والمعالجة الأكثر أمانا من الناحية الصحية والبيئية لتلك المخلفات، وتصميم مواد تدريبية وتعليمية حول نظم إدارة المخلفات الإلكترونية. وأشارت الوزيرة إلى أن المشروع يدعم تحديث ومراقبة بيانات المخلفات الإلكترونية، وإنشاء نظام متكامل للمعلومات، وتنفيذ مشروعات تجريبية للجمع من مختلف المصادر خاصة القطاع المنزلى بالشراكة مع القطاع الخاص، واختبار أدوات التمويل، ويشمل ذلك المنح الفرعية للشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة فى مجال إعادة تدوير المخلفات الالكترونية، ودعم دمج القطاع غير الرسمى فى مجال إعادة التدوير.