انتشرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعى جدارية لمزلقان قطار محطة سيدى عبد الرحمن القناوي. الجدارية التى قام بتنفيذها الفنان التشكيلى أحمد الأسد ظهرت من خلال صفحته الرسمية على «فيسبوك» حيث أرفق معها تعليقًا قال فيه: «أبعث رسالة مع سائق القطار المتجه إلى القاهرة. أبلغ الوزارات والمسئولين أننا نحن شباب قنا نعمل بجد وحب ولا نريد سوى توفير الإمكانيات». يبدو أن رسالة الأسد قد وصلت جيدًا، فقد شارك الصورة آلاف المتابعين، الذين طالبوا بضرورة دعم مثل هذه المبادرات خلال الفترة المقبلة. تخرج الفنان التشكيلى أحمد الأسد من كلية التربية الفنية بالزمالك. تعلقه بالرسم ظهر فى مرحلة مبكرة وتحديدًا فى عمر الرابعة، وقد ساعده والده على تنمية هذه الموهبة فكان الداعم الأول له. يقول: «دائمًا كان يصحبنى معه لشراء الألوان وفرش الرسم، وكان حريصًا على مشاركتى فى المعارض الفنية بقصور الثقافة». بعد أن أنهى الأسد المرحلة الثانوية أدرك أن عليه تحقيق حلمه؛ لذلك انتقل للقاهرة لدراسة الفنون. ألهمته المدينة، وعمل داخلها طيلة 25 عامًا. عمل فى مجال الديكورات، والسينما، والمسرح، لكنها لم ترضه بشكل تام. لذلك ومع تفشى فيروس كورونا فى عام 2020 قرر الانتقال رفقة أسرته لمحافظة قنا. وهناك أزعجته العزلة التى فرضت على المدينة؛ لذلك بدأ التفكير فى حلمه القديم، هذا الحلم الذى كان دائمًا ما يراوده. «أردت دومًا الرسم والشخبطة على الحوائط والجداريات، كان هذا حلمى دائمًا. كنت فى طفولتى مثلًا أمسك بالفرشاة والألوان وأبدأ بالرسم على الجدران؛ لذلك دفعتنى الكورونا لإعادة التفكير فى الأمر، فأنا عادة تزعجنى فكرة الرسم على اسكتشات الرسم الصغيرة، أريد دومًا أن أتحرر، وهذا التحرر يبدأ بمجرد الرسم داخل المساحات الواسعة». هوية القرى المصرية خلال هذه الفترة أدرك الأسد أن عليه اتخاذ خطوات جدية على الأرض؛ لذلك أطلق مبادرة فى القرية للرسم على الجدران. حاول وقتها إقناع الناس بأهمية المبادرة كونه يحتاج للدعم المادى والمجتمعى لإنجاح المهمة، واستجاب بالفعل سكان القرية لفكرة المبادرة. «أردنا جميعًا الخروج من حالة الملل التى عشناها، لم نعتد العزلة، وقد تحمس أهالى القرية للمبادرة وبدأوا عمليات جمع المال اللازم لاستكمال العمل على تجميل جدران القرية». بعد أن حقق المشروع نجاحًا وترحيبًا، بدأ الأسد التفكير فى الخروج من قريته نحو القرى المجاورة. يقول: «أردت إظهار الجماليات التى تتفرد بها كل قرية دون غيرها؛ لذلك بدأت عمليات إعادة إنتاج التراث المحلى من خلال الرسومات الفنية التى تعبر عن هوية القرى، رسمت مثلًا جداريات المدارس والأماكن العامة، وتوسعت المبادرة بشكل أكبر، رسمت فى نجع حمادي، وقفط، والأقصر، وهنا أدركت أننى أسير نحو الطريق الصحيح، وأن حلم الطفولة -يبدو- أنه يتحقق». جدارية القطار أما عن جداريته التى اشتهرت مؤخرًا فهو يعتبر نفسه محظوظًا بالعمل داخل قرية جزيرة دندرة «محظوظ لأن أهالى القرية يدركون تمامًا قيمة الفن. عدد كبير من أهالى القرية يعملون أصلًا فى مجال النقاشة، وهؤلاء لديهم وعى كبير بصنعتهم التى ورثوها أبًا عن جد؛ لذلك طلبت منهم توفير الخامات، وقد ساعدونى بالفعل فى تحقيق ما أردته. الناس هناك كانوا بيشتغلوا معايا بحب، ورسمت هناك ست لوحات، منها لوحة «الميكروباص»، ولوحة «القطار» والهدف من هذه اللوحات هو التعبير عن الهوية المحلية للقرية. أما بالنسبة لجدارية القطار فأنا دائمًا معجبًا ب«مزلقان» القطار الموجود داخل القرية؛ لذلك أردت رسمه كونه يعبر عن جماليات القرية، وكونه يساهم فى حفظ الصورة المحلية للمكان. وبشكل شخصى فمحطات القطار تمثل بالنسبة إليَّ «حالة» خاصة بالنسبة، فضلًا عن أن الفنانين التشكيليين لا يتطرقون كثيرًا لفكرة القطار فى أعمالهم. دائمًا يذهبون لمناطق أخرى مثل رسم المراكب، والسفن، والمناظر الطبيعية على سبيل المثال، والقطار من ناحية فنية لا يحمل سمة بعينها، وهنا أقصد السمات الجمالية، لذلك كان عليَّ إيجاد الزاوية التى يمكن من خلالها خلق لوحة فنية لها طابع جمالي، من خلال إظهار التفاصيل». مطالبات يعتبر الأسد أن غياب الدعم المؤسسى هو العائق الوحيد أمامه فى هذه اللحظة فمعظم أعماله تتم بشكل تطوعى «بعد أن انتشرت جدارية القطار الأخيرة، تواصل معى البعض لكن بشكل شفهى لبحث إمكانية المشاركة فى أعمال فنية أخرى داخل قنا، وقد اقترحوا عليَّ فى المحافظة التوسع فى الأعمال ووعدونى بتخصيص فريق كامل لإعادة إنتاج هوية القرى من خلال الرسم». ينوى خلال الفترة المقبلة الاستمرار فى مشروعه الذى يعتبر أنه محظوظً كونه استطاع تحقيق حلم الطفولة يقول: «من يمنحنى جدارية وألوانا للعمل عليها أعتبر أنه يمنحنى كنزًا، فجزيرة دندرة تتميز أصلًا بفكرة الدعم والتكاتف المجتمعي، وسكان القرية يدركون تمامًا صعوبة الحياة، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، إلا أنهم يدركون قيمة الجمال، فهناك مبالغ يتم جمعها بشكل دورى لتنظيف وتشجير القرية، وكلها مجهودات فردية، لذلك عندما اقترحت عليهم فكرة المشروع لم يترددوا فى دعمه بكل شيء، سواء بالمال، أو الخامات، أو حتى العمال المتطوعين». يرى فى النهاية أنه يحتاج للتقدير والدعم خلال الفترة المقبلة «نحاول الآن عمل اتحاد لموهوبي محافظة قنا، هذا الاتحاد الهدف منه هو تعميم فكرة الجداريات داخل قنا. وجذب الاستثمار وتحقيق الربح لنا كفنانين، لكننا نحتاج بشكل أكبر للدعم الرسمي، وأن تتبنى الدولة مثل هذه الأفكار بشكل حقيقي».