بفوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية تكون قد تحققت أمنية بنيامين نتنياهو الذى يأمل فى دعم غير مشروط لحربه المفتوحة فى الشرق الأوسط إلا أن الواقع قد يحمل مفاجآت غير سارة لرئيس الوزراء الإسرائيلى تدفعه إلى الندم. ومنذ وصوله إلى السلطة للمرة الأولى فى عام 1996 وعلى مدار من سنوات من العمل السياسي، أكد نتنياهو دائما سواء بشكل علنى أو خلف الكواليس أنه يميل للإدارات الأمريكية الجمهورية وأنه لا يفضل كثيرا الإدارات الديمقراطية التى يقول إنها لا تعمل بالقدر الكافى لصالح إسرائيل. ويبدو أن غالبية الإسرائيليين تشترك مع نتنياهو فى الرأى نفسه حيث أظهر استطلاع للرأى أجرته القناة 12 الإسرائيلية أن ترامب هو المرشح المفضل ل66% من الإسرائيليين مقابل 17% لهاريس فى حين لم يعبر 17% عن رأي. وللوهلة الأولى قد يبدو هذا التوجه منطقيا خاصة فى ضوء بعض المؤشرات مثل قرارات ترامب فى ولايته الأولى مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل والانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى وتنظيم اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل وبعض الدول العربية وفقا لما ذكرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. لكن القراءة المتأنية للواقع تكشف عن رؤية مغايرة تجعل فوز ترامب يمثل إحباطا لنتنياهو ونهاية لمخططاته وهو ما يعكسه عدد من المؤشرات أولها العلاقة بين الرجلين فرغم الود الظاهرى الذى حرص كل منهما عليه لتحقيق غايات سياسية إلا أن التوتر هو السمة الحقيقية التى تجمعهما. ترامب الذى يعود للبيت الأبيض «لمحاسبة أعدائه» لم ينس أن نتنياهو هنأ بايدن على فوزه فى انتخابات 2020 وعلى مدار السنوات الأربع التالية، لم يتحدث الرجلان. وبعد هجمات 7 أكتوبر 2023، ألقى ترامب باللوم على نتنياهو فى الإخفاقات الأمنية قبل أن يغير من لهجته للحفاظ على دعم اللوبى اليهودى الأمريكي. كما أشار الكاتب الأمريكى ستيفن أ. كوك إلى مذكرات جاريد كوشنر صهر ترامب وأبرز مستشاريه فى ولايته الأولى التى قال فيها إن نتنياهو كان يعانى من نقص فى الثقة أمام ترامب. وإلى جانب التوتر الشخصي، يأتى الخلاف فى المواقف حول الحرب فى الشرق الأوسط حيث تحدث ترامب دائما عن الحاجة إلى «إنهاء الحرب بسرعة». ومن الواضح أن ترامب لا يريد أن تكون الحرب هى قضيته الأولى خلال ولايته الثانية لذا كانت رسالته لنتنياهو أن ينهى الحرب فى غزة قبل يوم التنصيب فى 20 يناير المقبل. هذا الجدول الزمنى لا يتوافق بالضرورة مع نتنياهو الذى قد يواجه غضبا من ائتلافه اليمينى المتطرف إذا أنهى الحرب. ورغم دعمه للمجهود الحربى الإسرائيلى وما قاله لنتنياهو خلال اتصال هاتفى بأن يفعل «ما يجب فعله» لكن ترامب لم يتحدث أبدا عن هدف إسرائيل تحقيق «النصر الكامل». ووفقا لمستشاريه فمن المرجح أن يتبع ترامب نهج بايدن بالضغط على نتنياهو للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النارر وتبادل الأسرى. ولأنها ستكون ولايته الثانية والأخيرة فإن ترامب الذى لا يمكن التنبؤ بتصرفاته سيكون حريصا على تتويج مسيرته بتحقيق إنجاز فى الشرق الأوسط يتضمن إقامة دولة فلسطينية مقابل المزيد من اتفاقيات التطبيع فى المنطقة وهو ما يعنى المزيد من الضغوط على نتنياهو. ورغم كل أزمات ترامب إلا أن جزء شعبيته يعتمد على وفائه بتعهداته الانتخابية مثلما حدث فى ولايته الأولى وبالتالى فإنه سيكون جادا فيما يتعلق بوعوده بإنهاء الحرب وتحقيق السلام. واستنادا لتصريحه فى خطاب الانتصار الذى قال فيه ان أمريكا لن تدخل فى حروب طوال فترة حكمه، فمن المتوقع أن تتبنى واشنطن تحت حكم ترامب نهجا انعزاليا يرفض التورط فى الصراعات فى الخارج. وفى ضوء النهج الجديد أيضا قد تتقلص المساعدات الأمريكية سواء المالية أو العسكرية لإسرائيل فى حين لن يعبأ ترامب باعتراضات ناخبى اللوبى اليهودى بعدما ضمن البيت الأبيض والهيمنة على الكونجرس. وفيما يتعلق بإيران، قد يتفق ترامب مع بايدن فى عدم الرغبة فى التورط فى حرب مباشرة كما أنه أبدى مؤخرا انفتاحا على توقيع انفاق جديد مع طهران. من ناحية أخرى قد يجعل فوز ترامب الشهور الأخيرة فى ولاية بايدن أكثر صعوبة لإسرائيل مع سعى الرئيس المنتهية ولايته لفرض المزيد من الضغوط على تل أبيب لتأمين صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وربما يفرض حظرا على الأسلحة ردا على الاستجابة الضعيفة فيما يتعلق بمساعدات غزة.